فالمغفور إذن لمن آمن منهم جميع ذنوبهم لا بعضها.
وهذا لا حجة فيه ، لاحتمال أن تكون «من» مبعّضة ، ويكون ذلك ممّا حذف فيه الموصوف وقامت الصفة مقامه ، فكأنّه قال : يغفر لكم جملة من ذنوبكم ، وذلك أن المغفور لهم بالإيمان ما اكتسبوه من الكفر لا ما يكتسبونه في الإسلام من الذنوب ، وما تقدّم لهم من الذنوب في حال الكفر بعض ذنوبهم. على أن أهل البصرة قد يجيزون زيادتها في الواجب وفي المعرفة في ضرورة الشعر ، نحو قوله [من الرجز] :
٣٤٤ ـ أمهرت منها جبّة وتيسا
يريد : أمهرتها. وإنما يشترطون الشرطين المذكورين في فصيح الكلام. فإن قيل : فهل الشرطان الملتزمان عند أهل البصرة في زيادة «من» لأمر أوجب ذلك ، أو لمجرد ورود السماع على حسب ما ذكروه؟
فالجواب : إن التزام الشرطين المذكورين له ما أوجبه ، أمّا التزام التنكير فلأن المفرد الواقع بعد «من» الزائدة في معنى «جميع» ، لأنّك إذا قلت : «ما قام من رجل» ، فقد نفيت القيام عن جنس الرجال ، والمفرد لا يكون في معنى «جميع» إلا إذا كان نكرة ، نحو قول العرب : «عندي عشرون رجلا» ، فـ «رجلا» واقع موقع «رجال» ، لأنّه نكرة ولو كان معرفة لم يجز ذلك ، فأما قوله [من الرجز] :
في حلقكم عظم وقد شجينا (١)
______________________
٣٤٤ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة : أمهرت : أي : دفعت مهرا. الجبة : ثوب واسع الكمين ، مشقوق المقدم ، يلبس فوق الثياب.
المعنى : يقول : لقد دفعت لها مهرا مكوّنا من ثوب وتيس.
الإعراب : أمهرت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. منها : «من» : حرف جر زائد ، و «ها» : ضمير متصل مبني ، في محل نصب مفعول به. جبة : تمييز منصوب بالفتحة. وتيسا : «الواو» : حرف عطف ، «تيسا» : اسم معطوف على سابقه منصوب مثله بالفتحة.
وجملة «أمهرت .. جبة» : ابتدائية لا محلّ لها.
والشاهد فيه قوله : زيادة «من» حيث يريد «أمهرتها».
(١) تقدم بالرقم ٧.