وحجة من أجاز زيادة «من» في الشرط في نحو : «إن ضربت من رجل ضربك» ، أن الشرط غير واجب ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «إن ضربت زيدا ضربك» ، أنّ الضرب غير واقع كما أنّه كذلك في قوله : «ما ضربت زيدا». والصحيح أنّه لا يجوز ذلك ، لأنك إذا قلت : «إن ضربت زيدا ضربك» فالضرب وإن لم يكن واقعا ، فهو مفروض الوقوع ولا يمكن أن يفرض إلا ما لا تناقض فيه. ألا ترى أنّك لو قلت : «إن قام من رجل قام عمرو» ، كان معناه : إن قدّر وقوع هذا الخبر الذي هو «قام من رجل» : قام عمرو ، و «قام من رجل» لا يمكن وقوعه لما ذكرناه من أنّه أن يقوم الرجل وحده مع غيره في حين واحد. فلذلك لا يمكن تقديره ، وليس كذلك النفي والنهي والاستفهام ، فلذلك لم تجز زيادة «من» إلّا في الأماكن الثلاثة.
والمواضع التي تزاد فيها «من» : المبتدأ ، نحو : «هل من أحد قائم»؟ والفاعل ، نحو : «ما جاءني من أحد» ، والمفعول الذي سمّي فاعله أو لم يسمّ ، نحو : «ما ضربت من أحد» ، أو «ما ضرب من رجل». ولذلك لحّن الحسن بن هاني في قوله [من البسيط] :
٣٤٦ ـ كأنّ صغرى وكبرى من فواقعها |
|
حصباء درّ على أرض من الذهب |
فزاد «من» في الواجب وفي غير الأماكن التي ذكرنا.
______________________
٣٤٦ ـ التخريج : البيت لأبي نواس في ديوانه ص ٣٤ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٢٧٧ ، ٣١٥ ، ٣١٨ ؛ وشرح المفصل ٦ / ١٠٢ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٨٦ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٣٨٠.
اللغة : شرح المفردات : فواقعها : ما يعلو الماء أو غيره من النفاخات. الحصباء : الحجارة الصغيرة.
المعنى : يقول : إنّ الفقاقيع التي علت الكأس شبيهة بالحجارة الصغيرة من الدرّ منثورة على أرض ذهبيّة اللون.
الإعراب : كأنّ : حرف مشبّه بالفعل. صغرى : اسم «كأنّ» منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف الألف للتعذّر. من : حرف جر زائد. فواقعها : اسم مجرور بالكسرة لفظا بحرف الجر ، ومحلا بالإضافة ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. حصباء : خبر «كأنّ» مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف. درّ : مضاف إليه مجرور بالكسرة. على : حرف جرّ. أرض : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بمحذوف حال من خبر «كأن». من : حرف جرّ. الذهب : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بمحذوف نعت لـ «أرض».
التمثيل به في قوله : «صغرى وكبرى من فواقعها» حيث جاء أفعل التفصيل مجردا من «أل» ، والإضافة فوجب أن تكون «صغرى» مضافة إلى «فواقعها» و «من» زائدة. وقيل : إنّ الشاعر لم يرد معنى التفصيل ، وإنّما أراد معنى الصفة المشبّهة.