والذي حمل على ادعاء زيادة «من» في هذا البيت أنّ «فعلى» التي للمفاضلة لا تستعمل إلا بالألف واللام أو مضافة ، فوجب أن تكون «صغرى» مضافة لـ «فواقعها» و «من» زائدة.
وأما التي تكون لابتداء الغاية فإنها لا تدخل إلا على ما عدا الزمان من مكان أو غيره. فمثال كونها لابتداء الغاية في المكان : «سرت من الكوفة إلى البصرة» إذا أردت أن السير كان ابتداؤه من الكوفة وانتهاؤه إلى البصرة.
ومثال كونها لابتداء الغاية في غير المكان. قوله : «ضربت من الصغير إلى الكبير» ، إذا أردت أنّك ابتدأت بالضرب من الصغير وانتهيت به إلى الكبير. ومن هذا قولهم : «زيد أفضل من عمرو». وإنّما أردت أن تعلم أن زيدا يبتدأ في تفضيله من «عمرو» ، ويكون الانتهاء في أدنى من فيه فضل. إذ العادة أن يبتدىء التفضيل مما يقرب من الشيء ويدانيه في الصفة التي تقع فيها المفاضلة.
وزعم الكوفيون أيضا أنّها تكون لابتداء الغاية في الزمان ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (١). ألا ترى أن «قبل» و «بعد» ظرفا زمان ، وقد دخلت عليهما «من» ، ومن ذلك قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) (٢).
فـ «أول يوم» زمان وقد دخلت عليه «من». ومن ذلك قول الشاعر [من الطويل] :
٣٤٧ ـ من الصّبح حتّى تغرب الشّمس لا ترى |
|
من القوم إلّا خارجيّا مسوّما |
______________________
(١) الروم : ٤.
(٢) التوبة : ١٠٨.
٣٤٧ ـ التخريج : البيت للحصين بن الحمام في شرح اختيارات المفضل ص ٣٢٩ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٢١ ؛ والمقرب ١ / ١٩٨.
اللغة : الخارجي : كلّ متناه في خلقه فاق نظراءه ، والخوارج : فرقة من الفرق الإسلامية ، خرجوا على الإمام علي رضياللهعنه وخالفوا رأيه. مسوما : معلما أي ذا علامة واضحة.
الإعراب : من الصبح : جار ومجرور متعلقان بالفعل «لا ترى». حتى : حرف غاية وجر. تغرب : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد حتى. الشمس : فاعل مرفوع بالضمة ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (تغرب) مجرور بـ (حتى) والجار والمجرور متعلقان بالفعل (ترى). لا ترى : «لا» : نافية ، «ترى» : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة. من القوم : جار ومجرور متعلقان بالفعل ترى. إلا : حرف حصر. خارجيا : مفعول به منصوب بالفتحة. مسوما : صفة منصوبة بالفتحة.