أي : عن النساء.
ولا حجة في شيء من ذلك ، لأنّه قد يتصوّر أن تكون الباء للسبب ، لأنّك إذا سألت عن شيء فقد أوقعت السؤال بسبب ذلك الشيء ، فكأنه قال : فإن تسألوني بسبب النساء.
فإن قيل : سألت بسبب كذا ، لا تدري هل السؤال عن ذلك الشيء الذي دخلت عليه الباء أو عن غيره بسببه ، وأنت إذا قلت : «سألت عنه» ، فإنّما السؤال عن الذي دخلت عليه «عن». فالجواب : إنّهم إذا فعلوا ذلك أعني جعلوا الباء للسبب ، وحذفوا المسؤول عنه ، فلا بدّ من أن يكون في الكلام ما يدلّ على المحذوف ، فقوله : فإن تسألوني بسبب النساء ، معلوم أنّ السؤال المسؤول عن النساء بدليل قوله : بصير بأدواء النساء طبيب.
وكذلك (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (١) ، أي : فاسأل بسببه خبيرا ، لأنّ طلب السؤال منها عام ، فكأنّه قال : إذا سألت بسببه عن شيء ، فقد وقعت بسؤالك على خبير به. وقد يتخرج ذلك على وجه آخر ، وهو أن يكون الفعل مضمّنا معنى فعل يصل بالباء فيعامل معاملته ، فكأنه قال : فإن تطلبوني بالنساء ، أي : بأخبارهنّ ، وكأنه قال : فاطلب خبيرا ، لأنّ السؤال طلب في المعنى.
فإن قيل : فكما تجوّزون أن يكون الفعل في معنى فعل آخر ، فهلّا جعلتم الحرف في معنى حرف آخر فتكون الباء بمعنى «عن»؟
فالجواب : إنّ التصرف في الأفعال أولى منه في الحروف ، وأيضا فإنّك إذا حكمت للفعل بحكم فعل آخر كان لذلك مسوّغ ، وهو كون الفعلين بمعنى واحد ، وإذا جعل حرف بمعنى حرف آخر لم يكن لذلك مسوّغ لأنّهما لا يجتمعان في معنى واحد.
[٨ ـ معاني «حتى»] :
وأما حتى الجارة فإنّها لانتهاء الغاية ، ولا يخلو أن يكون ما بعدها جزء مما قبلها أو لا يكون ، فإن لم يكن ما بعدها جزء مما قبلها ، فإنّ الفعل غير متوجّه عليه ، وذلك نحو قولك : «سرت حتى الليل» ، فالسير غير واقع في الليل ، فإنّ الليل لم يتقدمه ما يكون جزء منه.
______________________
(١) الفرقان : ٥٩.