وقول أبي تمام : [من الكامل]
إذا سيفه أضحى على الهام حاكما |
|
غدا العفو منه وهو في السّيف حاكم (١) |
مع قول المتنبي : [من الكامل]
له من كريم الطّبع في الحرب منتض |
|
ومن عادة الإحسان والصّفح غامد (٢) |
فانظر الآن نظر من نفى الغفلة عن نفسه ، فإنك ترى عيانا أنّ للمعنى في كل واحد من البيتين من جميع ذلك ، صورة وصفة غير صورته وصفته في البيت الآخر وأن العلماء لم يريدوا حيث قالوا : «إن المعنى في هذا هو المعنى في ذاك» ، أنّ الذي يعقل من هذا لا يخالف الذي يعقل من ذاك وأنّ المعنى عائد عليك في البيت الثاني على هيئته وصفته التي كان عليها في البيت الأوّل وأن لا فرق ولا فصل ولا تباين بوجه من الوجوه وأنّ حكم البيتين مثلا حكم الاسمين قد وضعا في اللغة لشيء واحد ، كالليث والأسد ولكن قالوا ذلك على حسب ما يقوله العقلاء في الشّيئين يجمعهما جنس واحد ، ثم يفترقان بخواصّ ومزايا وصفات ، كالخاتم والخاتم ، والشّنف والشّنف ، والسّوار والسّوار ، وسائر أصناف الحلي التي يجمعها جنس واحد ، ثم يكون بينهما الاختلاف الشديد في الصنعة والعمل.
ومن هذا الذي ينظر إلى بيت الخارجيّ وبيت أبي تمام ، فلا يعلم أنّ صورة المعنى في ذلك غير صورته في هذا؟ كيف ، والخارجيّ يقول :
«واحتجّت له فعلاته» (٣)
__________________
(١) البيت في الديوان (ص ٢٧٠) من قصيدة يمدح فيها أحمد بن أبي دؤاد مطلعها :
ألم يأن أن تروى الظماء الحوائم |
|
وأن ينظم الشمل المبرّد ناظم |
لئن أرقأ الدمع اليعور وقد جرى |
|
لقد رويت منه خدود نواعم |
(٢) البيت في ديوانه (٢ / ٧٠) من قصيدة له مطلعها :
عواذل ذات الخال فيّ حواسد |
|
وإن ضجيع الخود منّي لماجد |
والبيت في شرح التبيان على ديوان المتنبي للعكبري (١ / ١٨٨) وانتضيت السيف : سللته وجردته ، ونضا سيفه أيضا ونضوت البلاد : قطعتها. قال تأبط شراّ :
ولكنني أروي من الخمر هامتي |
|
وأنضو الفلا بالشاحب المتشلشل |
وغامد من غمد السيف. والمعنى : يقول كرم طبعه ينضيه ويغمده ما تعوّد من العفو والإحسان فليس كسيوف الحديد التي تنتضى وتغمد.
(٣) بعض بيت قاله رجل من الخوارج لفظه :
ما ذا أقول إذا وقفت إزاءه |
|
في الصف واحتجّت له فعلاته |
وهو من مجموعة أبيات قالها لقطريّ بن الفجاءة حينما أمره أن يقاتل الحجاج فأبى وأنشد الأبيات ، وقال الشيخ شاكر : الأبيات لعامر بن حطّان الخارجيّ وهو أخو عمران بن حطّان.