ويقول أبو تمام :
«إذن لهجاني عنه معروفه عندي» (١)
ومتى كان «احتجّ» و «هجا» واحدا في المعنى؟
وكذلك الحكم في جميع ما ذكرناه ، فليس يتصوّر في نفس عاقل أن يكون قول البحتري : [من الكامل]
وأحبّ آفاق البلاد إلى الفتى |
|
أرض ينال بها كريم المطلب (٢) |
وقول المتنبي :
وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب (٣) ـ سواء
واعلم أن قولنا «الصّورة» ، إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا ، فلمّا رأينا البينونة بين آحاد الأجناس تكون من جهة الصّورة ، فكان تبيّن إنسان من إنسان وفرس من فرس ، بخصوصيّة تكون في صورة هذا لا تكون في صورة ذاك ، وكذلك كان الأمر في المصنوعات ، فكان تبيّن خاتم من خاتم وسوار من سوار بذلك ، ثم وجدنا بين المعنى في أحد البيتين وبينه في الآخر بينونة في عقولنا وفرقا ، عبّرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قلنا : «للمعنى في هذا صورة غير صورته في ذلك». وليس العبارة عن ذلك بالصورة شيئا نحن ابتدأناه فينكره منكر ، بل هو مستعمل مشهور في كلام العلماء ، ويكفيك قول الجاحظ : «وإنما الشعر صياغة وضرب من التّصوير».
__________________
(١) عجز بيت له في ديوانه (ص ١٢٢) وصدره :
أسربل هجر القول من لو هجوته
ويروى «أألبس» بدلا من «أسربل» وهو من قصيدة يمدح فيها موسى بن إبراهيم الرافقي ويعتذر إليه مطلعها :
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي |
|
ومحّت كما محّت وشائع من برد |
(٢) ذكره العكبري في التبيان وهو يشرح ديوان المتنبي (١ / ١٣١) ، في البيت الذي يقول :
وكلّ امرئ يولي الجميل محبّب |
|
وكل مكان ينبت العزّ طيّب |
وجاء البيت بلفظ «فتى» بدلا من «الفتى».
(٣) عجز بيت في الديوان (٢ / ٢٣٢) وصدره :
وكل امرئ يولي الجميل محبّب
وهو من قصيدة له يمدح فيها سيف الدولة مطلعها :
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب |
|
وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب |
والبيت في شرح التبيان للعكبري (١ / ١٣١) ، ويولي الجميل يصنعه ويعطيه ، والمعنى : يريد أن الممدوح يوليه الجميل ويحبه فهو عنده طيب يختاره على أهله.