فلو صوّرت نفسك لم تزدها |
|
على ما فيك من كرم الطّباع (١) |
ومن العجب في ذلك ما تراه إذا أنت تأمّلت قول أبي العتاهية : [من الكامل]
جزي البخيل عليّ صالحة |
|
عنّي بخفّته على ظهري |
أعلى وأكرم عن يديه يدي |
|
فعلت ، ونزّه قدره قدري |
ورزقت من جدواه عافية |
|
أن لا يضيق بشكره صدري |
وغنيت خلوا من تفضّله |
|
أحنو عليه بأحسن العذر |
ما فاتني خير امرئ وضعت |
|
عنّي يداه مئونة الشّكر (٢) |
ثم نظرت إلى قول الذي يقول : [من المنسرح]
أعتقني سوء ما صنعت من الرّقّ |
|
فيا بردها على كبدي |
فصرت عبدا للسّوء منك وما |
|
أحسن سوء قبلي إلى أحد (٣) |
ومما هو في غاية النّدرة من هذا الباب ، ما صنعه الجاحظ بقول نصيب : [من الطويل]
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب (٤)
حين نثره فقال ، وكتب به إلى ابن الزّيات : «نحن أعزك الله نسحر بالبيان ، ونموه بالقول ، والناس ينظرون إلى الحال ، ويقضون بالعيان ، فأثر في أمرنا أثرا ينطق إذا سكتنا ، فإنّ المدّعي بغير بيّنة متعرّض للتكذيب». وهذه جملة من وصفهم الشعر وعمله وإدلالهم به ـ أبو حيّة النّميرى : [من الكامل]
إنّ القصائد قد علمن بأنّني |
|
صنع اللّسان بهنّ ، لا أتنحّل |
وإذا ابتدأت عروض نسج ريّض |
|
جعلت تذلّ لما أريد وتسهل |
حتّى تطاوعني ، ولو يرتاضها |
|
غيري لحاول صعبة لا تقبل (٥) |
__________________
(١) البيت في الديوان (ص ٣٢٤) ، وهو من قصيدة يمدح فيها مهدي بن أصرم ، وقبله :
ورأيك مثل رأي السيف صحّت |
|
مشورة حدّه عند المصاع |
والمصاع : المجالدة.
(٢) الأبيات في أسرار البلاغة (ص ١٥٦) ، وجاء البيت الأول بلفظ «بخفته» بدلا من «لخفته» ، وفي نسخة للشيخ رشيد رضا : «أن لا يضيق» بدل من «عافية» وهذا في البيت الثالث.
(٣) البيتان في أسرار البلاغة بلا نسبة (ص ١٥٦).
(٤) عجز بيت لنصيب بن رباح ، في ديوانه (ص ٥٩) وصدره :
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله
وفي الأغاني (٢ / ٤٢) ، وأمالي المرتضى (١ / ٦١) ، وخزانة الأدب (٥ / ٢٩٦) ، وشرح شذور الذهب (ص ٣٨) ، والشعر والشعراء (١ / ٤١٨) ، ولسان العرب (حدث).
(٥) الأبيات لأبي حية النميري ، شعره مجموع جمعه داود سلوم في العراق.