تقديم
الحمد لله والصلاة والسّلام على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وبعد : فقد بدأنا هذه السلسلة من تحقيق هذا التراث البلاغى المطمور من شروح" التلخيص" بإخراج كتاب" عروس الأفراح" للسبكي ، ثم ثنينا بهذا الكتاب إنجازا لما وعدنا به من محاولة إخراج هذا التراث فى ثوب قشيب جديد ، يساعد الباحث على استجلاء خير ما فيه ، والوقوف على بغيته من قضايا البلاغة ومسائلها.
والحقيقة أن معين البلاغة لا ينضب ، وأن كتب التراث مهما تباعد زمانها فلا يزال الباحثون المعاصرون يجدون فيها كثيرا مما يوافق أحدث النظريات والبحوث العلمية ، وهذا يجعلنا نعكف على قراءة هذا التراث بشيء من التأنى والتؤدة ؛ بغية تأصيل كثير من القضايا المعاصرة.
والحق الذى لا مرية فيه ـ وهو ما أكده كثير من الدارسين العقلاء ـ أننا إذا أردنا نهضة علمية صحيحة تمثل هويتنا وذاتنا العربية الإسلامية ، فلا بد لهذه النهضة أن تقوم على أمرين :
١ ـ العكوف على دراسة التراث وهضمه وتمثله.
٢ ـ إعادة النظر فى ذلك التراث فى ضوء أطروحات العصر ، ومحاولة الانطلاق من روح ذلك التراث ومفاهيمه دون التقيد الحرفى بتطبيقاته ؛ للوصول إلى رؤية حديثة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وبغير هذا الصنيع فلن نكون جديرين باحترام الآخرين لنا ؛ ذلك لأن الآخر لن ينظر إلينا بعين التقدير والاحترام إذا نظر فيما نقدمه فقال : (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) وإنما سوف نكون جديرين باحترام الناس جميعا إذا وجدوا لدينا ما نتميز به ، وما يعبر عن ذواتنا وهوياتنا المغايرة لذواتهم وآرائهم وما هم عليه ، فحينئذ سيكون أدبنا وبلاغتنا ونقدنا وسائر علومنا جديرة بأن يقرأها الآخرون ؛ لأنهم سوف يجدون فيها ما ليس عندهم.
أما وهم لا يجدون فى كتاباتنا إلا صورة مشوهة لآداب الغرب وعلومه ، فليس فى ذلك إلا ما يدعو للسخرية والنفور!
المحقق