فلم يسمّ أحد منهم بحرا إلا عبد الله بن عباس لاختصاصه دونهم بالتفسير وعلم التأويل ؛ وقال فيه عليّ بن أبي طالب : «كأنما ينظر إلى الغيب من [وراء] (١) ستر رقيق» (*). وقال فيه عبد الله بن مسعود : «نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس» (*) ؛ وقد مات ابن مسعود في سنة ثنتين وثلاثين ؛ وعمّر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة ؛ فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود! نعم ؛ كان لعليّ فيه اليد السابقة قبل ابن عباس ؛ وهو القائل : «لو أردت أن أملي وقر بعير على الفاتحة لفعلت».
وقال ابن عطية (٢) : «فأما صدر المفسّرين والمؤيّد فيهم فعليّ بن أبي طالب ، ويتلوه ابن عباس رضياللهعنهما ؛ وهو تجرّد للأمر وكمّله ، وتتّبعه العلماء عليه ؛ كمجاهد (٣) وسعيد بن جبير (٤) وغيرهما. وكان جلّة من السلف [ك] (٧) سعيد بن المسيّب (٨) والشعبيّ (٧) وغيرهما ، يعظّمون تفسير القرآن ، ويتوقفون (٨) عنه تورعا واحتياطا [لأنفسهم] (٩) ، مع إدراكهم (١٠) وتقدمهم» ثم جاء بعدهم طبقة فطبقة ، فجدّوا واجتهدوا (١١) وكلّ ينفق مما رزقه (١٢) الله ؛ ولهذا
__________________
(١) ساقطة من المطبوعة.
(*) انظر الملحق برقم (٢) و (٣).
(٢) هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن ، المعروف بابن عطية. كان فقيها عالما بالتفسير روى عن أبيه وعن أبي علي الغساني والصدفي وغيرهم. كان يتوقد ذكاء. له «الوجيز في التفسير» أحسن فيه وأبدع. توفي سنة ٥٤١. (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ٢٦٠) وانظر الملحق برقم (٤).
(٣) هو مجاهد بن جبر ، أبو الحجّاج المكي التابعي المفسّر ، تقدّم ص ٩٨.
(٤) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي ، أبو عبد الله التابعي ، قرأ القرآن على ابن عباس وحدّث عنه ، وعن ابن عمرو عنه الحكم وأيوب والأعمش وخلق كثير. قال ميمون بن مهران : «مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه». قتله الحجاج سنة ٧٥. (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ١٨١).
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) هو سعيد بن المسيّب بن حزن القرشي كان من سادات التابعين فقها ودينا وورعا وعبادة وفضلا ، كان أفقه أهل الحجاز. روى عن كثير من كبار الصحابة والتابعين ، كما روى عنه أكابر التابعين كسالم بن عبد الله بن عمر ، والزهري ، وأبو الزناد ، وغيرهم. توفي سنة ١٠٠ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٤ / ٨٦).
(٧) هو عامر بن شراحيل الشعبي الحميري. تابعي جليل. روى عن كثير من كبار الصحابة والتابعين ، وعنه روى الكثير من التابعين. أدرك خمسمائة من الصحابة ، وقال مكحول : ما رأيت أفقه منه. توفي سنة ١١٠ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٥ / ٦٥).
(٨) في المخطوطة : (يقفون).
(٩) ساقطة من المخطوطة.
(١٠) في المخطوطة : (إدراكه).
(١١) العبارة في المخطوطة : (ثم جاء بعدهم قوم تقيدوا واجتهدوا).
(١٢) في المطبوعة : (رزق).