ومن ذلك قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ؛ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة : ١١٥) ؛ فإنّا لو تركنا مدلول اللّفظ لاقتضى أنّ المصلّي لا يجب [عليه] (١) استقبال القبلة سفرا ولا حضرا ؛ وهو خلاف الإجماع ؛ فلا يفهم مراد الآية حتى يعلم سببها ؛ وذلك «أنها نزلت لمّا صلّى النبيّ صلىاللهعليهوسلم على راحلته ؛ وهو مستقبل من مكة إلى المدينة ؛ حيث توجّهت به» (٢) فعلم أنّ هذا هو المراد.
ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) (التغابن : ١٤) فإنّ سبب نزولها : «أن قوما أرادوا الخروج للجهاد ؛ فمنعهم أزواجهم وأولادهم ؛ فأنزل الله [تعالى] هذه الآية ؛ ثم أنزل في بقيّتها ما يدلّ على الرحمة وترك المؤاخذة ؛ فقال : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التغابن : ١٤)» (٣).
فصل
وقد ينزّل الشيء مرّتين تعظيما لشأنه ، وتذكيرا به عند حدوث سببه خوف نسيانه ؛ وهذا كما قيل في الفاتحة : نزلت مرتين ، مرّة بمكّة ، وأخرى بالمدينة ؛ وكما ثبت في «الصحيحين» (٤) عن أبي عثمان النّهديّ (٥) عن ابن مسعود : «أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ،
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) الحديث أخرجه من رواية عبد الله بن عمر رضياللهعنه ، مسلم في صحيحه ١ / ٤٨٦ كتاب صلاة المسافرين (٦) ، باب جواز صلاة النافلة على الدابة (٤) الحديث (٣٣ /...).
(٣) أخرجه من رواية ابن عباس الترمذي في السنن ٥ / ٤١٨ كتاب تفسير القرآن (٤٨) ، باب سورة التغابن (٦٥) ، الحديث (٣٣١٧) وقال : هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الطبري في تفسيره ٢٨ / ٨٠ عند قوله تعالى في سورة التغابن وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٤٩٠ كتاب التفسير باب تفسير سورة التغابن ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأقرّه الذهبي. وعزاه السيوطي للفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه (الدر المنثور ٦ / ٢٢٨).
(٤) صحيح البخاري ٢ / ٨ كتاب مواقيت الصلاة (٩) ، باب الصلاة كفارة (٤) الحديث (٥٢٦) وأخرجه في ٨ / ٣٥٥ كتاب التفسير (٦٥) ، باب قوله تعالى (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ...) (٦) الحديث (٤٦٨٧) وأخرجه مسلم في صحيحه ٤ / ٢١١٥ كتاب التوبة (٤٩) باب قوله تعالى (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (٧) الحديث (٣٩ / ٢٧٦٣).
(٥) هو عبد الرحمن بن مل بن عمرو أبو عثمان النهدي كان تابعيا. أسلم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يلقه وروى عن أكابر الصحابة هاجر إلى المدينة بعد موت أبي بكر. كان ليله قائما ونهاره صائما. توفي سنة ١٠٠. (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٦ / ٢٧٧).