لا سيما وقد عرف من عادة الصّحابة والتابعين أنّ أحدهم إذا قال : «نزلت هذه الآية في كذا» فإنّه يريد [بذلك] (١) أن هذه الآية تتضمّن هذا الحكم ؛ لا أنّ (٢) هذا كان السبب في نزولها [أولا] (٣). وجماعة من المحدّثين يجعلون هذا من المرفوع المسند ؛ كما في قول ابن عمر في قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (البقرة : ٢٢٣) (٤) ؛ وأما الإمام أحمد فلم يدخله في «المسند» ؛ وكذلك مسلم وغيره ، وجعلوا هذا مما يقال بالاستدلال وبالتأويل ؛ فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية ؛ لا من جنس النّقل لما وقع.
فصل
وقد يكون السبب خاصّا والصيغة عامّة ؛ لينبّه على أن العبرة بعموم اللفظ. وقال الزمخشريّ (٥) في تفسير (٦) سورة الهمزة : «يجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ؛ ليتناول
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٢) في المخطوطة : (لأن).
(٣) ساقطة من المطبوعة.
(٤) قال ابن عمر رضياللهعنه : «إن النساء كنّ يؤتين في أقبالهنّ وهنّ مولّيات ، فقالت اليهود : من جاء امرأته وهي مولّية جاء ولده أحول ، فأنزل الله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)». عزاه السيوطي لابن عساكر في تاريخه (الدر المنثور ١ / ٢٦٢). لكنّ ابن عباس رضياللهعنه قال «إنّ ابن عمر ـ والله يغفر له ـ أوهم إنّما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا يتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف واحد فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، فسرى أمرهما ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) يقول مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج ، وإنما كانت من قبل دبرها في قبلها» أخرجه أبو داود في سننه ٢ / ٦١٨ كتاب النكاح (٦) ، باب في جامع النكاح (٤٦) الحديث (٢١٦٤) وأخرجه ابن جرير في التفسير ٢ / ٢٣٤ ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ١٩٥ كتاب النكاح وقال : «هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه» ، وأقرّه الذهبي ، وأخرجه البيهقي في سننه ٧ / ١٩٥ كتاب النكاح ، باب إتيان النساء في أدبارهن. وعزاه السيوطي لابن راهويه ، والدارمي ، وابن المنذر ، والطبراني (الدر المنثور ١ / ٢٦٣).
(٥) هو محمود بن عمر بن محمد ، أبو القاسم الزمخشري تقدمت ترجمته ص ١٠٥.
(٦) في المطبوعة : (نفس).