وجوده من المفحم (١) كما يتفق وجوده في الشّعر ، وأمّا ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصح أن يتفق كلّه غير مقصود إليه». [قال] (٢) : «وبنوا الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع ؛ قال أهل اللغة : هو موالاة الكلام على رويّ (٣) واحد. قال ابن دريد : (٤) «سجعت الحمامة : [معناه] (٥) ردّدت صوتها» (٦).
قال القاضي (٧) : «وهذا غير صحيح ؛ ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج (٨) عن أساليب كلامهم ؛ ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز ، ولو جاز أن يقال : هو سجع معجز ، لجاز لهم أن يقولوا : شعر معجز. وكيف! والسجع مما كانت كهّان العرب تألفه ؛ ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجّة من نفي الشعر ؛ لأن الكهانة تنافي [النبوات] (٩) بخلاف الشعر» (١٠).
«وما توهموا [من] (١١) أنه سجع ، باطل ؛ لأن مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو ؛ لأن السجع يتّبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع ؛ وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن ؛ لأنّ اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى. وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي (١٢) تؤدي المعنى المقصود فيه ، وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ ؛ ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره. ومتى ارتبط (١٣) المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى.
__________________
(١) في المخطوطة : (العجم) وما أثبتناه هو الموافق للفظ الباقلاني في «الإعجاز».
(٢) من المطبوعة.
(٣) في المطبوعة : (وزن).
(٤) هو محمد بن الحسن بن دريد : إمام في الأدب ، وعلم النحو ، واللغة. حدّث عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي وأبي حاتم السجستاني. كان رأس أهل العلم والمقدم في حفظ اللغة والأنساب وأشعار العرب. من مصنفاته كتاب «الجمهرة في اللغة» توفي سنة ٣٢١ (القفطي ، إنباه الرواة ٣ / ٩٢).
(٥) ساقطة من المطبوعة.
(٦) ابن دريد ، جمهرة اللغة : ٢ / ٩٣.
(٧) هو الباقلاني.
(٨) في المخطوطة : (لكان خارجا).
(٩) من المطبوعة ، وهي عند الباقلاني.
(١٠) العبارة في المخطوطة (بخلاف السجع) وفي الإعجاز : (وليس كذلك الشعر).
(١١) ساقطة من المطبوعة.
(١٢) في المخطوطة : (الذي).
(١٣) في المطبوعة : (انتظم) وكذا في «الإعجاز».