عيب ، والفواصل بلاغة ، فغلط ، فإنه [إن] (١) أراد بالسجع ما يتبع المعنى. وكأنه [غير] (١) مقصود فذلك بلاغة ، والفواصل مثله. وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له ، وهو مقصود متكلّف ، فذلك عيب ، والفواصل مثله». قال : «وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كلّ ما في القرآن فواصل ولم يسمّوا ما تماثلت حروفه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن (٢) الوصف اللاحق بغيره من الكلام المرويّ عن الكهنة وغيرهم ، وهذا غرض في التسمية قريب ، والحقيقة ما قلناه».
ثم قال : «والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل. فإن قيل : إذا كان عندكم أن السجع محمود (٣) فهلاّ ورد القرآن كلّه مسجوعا! وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع؟ قلنا : إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم ، وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا لما فيه من أمارات التكلّف والاستكراه والتصنّع ، لا سيما فيما يطول من الكلام ، فلم يرد كلّه مسجوعا جريا منه على عرفهم في الطبقة (٤) العالية من كلامهم ، ولم يخل من السجع ؛ لأنّه يحسن في بعض الكلام على الصّفة السابقة. فهذا هو السبب في ورود بعضه كذلك وبعضه بخلافه».
وخصت فواصل الشّعر باسم القوافي لأنّ الشاعر يقفوها ولا (٥) يتبعها في الشّعر ، لا يخرج عنها ، وهي في الحقيقة فاصلة. لأنها تفصل آخر الكلام. فالقافية أخصّ في الاصطلاح ، إذ كلّ قافية فاصلة ، ولا عكس. ويمتنع استعمال القافية في كلام الله تعالى ، لأن الشرع لما سلب عنه [اسم] (٦) الشّعر وجب سلب القافية أيضا عنه لأنها منه ، وخاصة به في الاصطلاح ، وكما يمتنع استعمال القافية في القرآن ، لا تنطلق (٧) الفاصلة في الشعر ، لأنها صفة لكتاب الله ، فلا تتعدّاه.
قيل : وقد يقع في القرآن الإيطاء (٨) ، وهو ليس بقبيح فيه ، إنما يقبح في الشّعر ، كقوله تعالى
__________________
(١) من المطبوعة ، وهي في سر الفصاحة.
(٢) في المخطوطة : (على).
(٣) في المخطوطة (إذا كان السجع عندكم محمود) وما أثبتناه من المطبوعة و «سر الفصاحة».
(٤) في المطبوعة : (اللطيفة) ، وكذا عند السيوطي في الإتقان ٣ / ٢٩٤ ، وما أثبتناه من المخطوطة ، وهو الموافق لما في كتاب «سرّ الفصاحة».
(٥) في المطبوعة (أي).
(٦) ساقطة من المخطوطة ، وهي من المطبوعة.
(٧) العبارة في المطبوعة : (لا تطلق).
(٨) انظر في تعريف الإبطاء «مفتاح العلوم للسكاكي» ص ٥٧٥.