مجيئها منقادة للمعاني الصحيحة المنتظمة ؛ فأما أن تهمل المعاني وتسيّب ويجعل تحسين (١) اللفظ وحده غير منظور فيه إلى مؤداه (٢) على بال ، فليس من البلاغة في فتيل ولا نقير (٣). ومع ذلك [أن] (٤) يكون قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (البقرة : ٤) وقوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) [١١ / أ](يُنْفِقُونَ) لا يتأتى فيه [ترك] (٥) رعاية التناسب في العطف بين الجمل الفعلية إيثارا للفاصلة ؛ لأن ذلك أمر لفظيّ لا طائل تحته ، وإنما عدل إلى هذا لقصد (٦) الاختصاص.
(الرابع) : أن الفواصل تنقسم إلى : ما تماثلت حروفه في المقاطع ، وهذا يكون في السّجع ، وإلى ما تقاربت حروفه في المقاطع ولم تتماثل ؛ وهاهنا (٧) لا يكون سجعا. ولا يخلو كلّ واحد من هذين القسمين ، أعني المتماثل والمتقارب ، من أن [يكون] (٨) يأتي طوعا سهلا تابعا للمعاني ، أو متكلّفا يتبعه المعنى. فالقسم الأول هو المحمود الدالّ على الثقافة وحسن البيان ، والثاني هو المذموم ، فأما القرآن فلم يرد فيه إلا القسم الأول لعلوه في الفصاحة. وقد وردت فواصله متماثلة ومتقاربة.
مثال المماثلة (٩) قوله تعالى : (وَالطُّورِ* وَكِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ* وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ* وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) (الطور : ١ ـ ٥).
وقوله تعالى : (طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى * الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ١ ـ ٥).
وقوله تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً* فَالْمُورِياتِ قَدْحاً* فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (العاديات : ١ ـ ٥).
وقوله تعالى : (وَالْفَجْرِ* وَلَيالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (الفجر : ١ ـ ٤) إلى آخره. وحذفت الياء من (يَسْرِ) طلبا للموافقة في الفواصل.
__________________
(١) العبارة في المطبوعة : (ويهتم بتحسين).
(٢) في المخطوطة : (مراده).
(٣) العبارة في المخطوطة : (في نفيل ولا نقه).
(٤) ساقطة من المطبوعة.
(٥) من المطبوعة.
(٦) في المخطوطة : (لفقد).
(٧) في المطبوعة : (وهذا).
(٨) ساقطة من المطبوعة.
(٩) في المطبوعة : (المتماثلة).