وزعم بعضهم أنّ منه قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (الانفطار : ١٣ ـ ١٤) ، وليس كذلك ، لورود لفظة (إِنَ) و (لَفِي) في كل واحد من الشطرين ، وهو مخالف لشرط الترصيع ؛ إذ شرطه اختلاف الكلمات في الشطرين جميعا.
وقال بعض المغاربة : «سورة الواقعة من نوع الترصيع ، وتتبّع أجزائها [يدلّ] (١) على أن فيها موازنة». قالوا : «وأحسن السجع ما تساوت قرائنه ، ليكون شبيها بالشّعر ، فإن أبياته متساوية ؛ كقوله تعالى : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ* وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ* وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (الواقعة : ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٣٠) ؛ وعلته أن السمع ألف الانتهاء إلى غاية في الخفة بالأولى ، فإذا زيد عنها (٢) ثقل عنه الزائد ، لأنه يكون عند وصولها إلى مقدار الأول كمن توقع الظفر بمقصوده. ثم ما طالت قرينته الثانية ، كقوله : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) (النجم : ١ ـ ٢) ، و (٣) الثالثة كقوله تعالى : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ*) (٤) [ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ] (٤) (الحاقّة : ٣٠ ـ ٣٢). وهو إما قصير كقوله : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً* فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) (المرسلات : ١ ـ ٢).
أو طويل كقوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (الأنفال : ٤٣ ـ ٤٤).
أو متوسط (٥) كقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (القمر : ١ ـ ٢).
(السادس) (٦) : اعلم أن من المواضع التي يتأكد فيها إيقاع المناسبة مقاطع الكلام وأواخره ، وإيقاع الشيء فيها [بما] (٤) يشاكله (٧). فلا بدّ أن تكون مناسبة للمعنى المذكور أولا ؛ وإلا خرج بعض الكلام عن بعض. وفواصل القرآن العظيم لا تخرج عن ذلك ؛ لكن
__________________
(١) في المطبوعة : (آخر آيها) ، وسقطت كلمة (يدل) من المخطوطة.
(٢) في المطبوعة : (عليها).
(٣) في المطبوعة : (أو).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة ، وهو من المطبوعة.
(٥) في المخطوطة : (أو مبسوط).
(٦) في المخطوطة : (الخامس).
(٧) من المطبوعة.