بهذا التقدير ، وظرف الليل ظرف مظلم لا ينفذ فيه البصر ، لا سيما وقد أضاف الإتيان بالضياء الذي تنفذ فيه الأبصار إلى غيره ، وغيره ليس بفاعل على الحقيقة ؛ فصار النهار كأنه معدوم ؛ إذ نسب وجوده إلى غير موجد ؛ والليل كأنه لا موجود سواه ؛ إذ جعل [كونه] (١) سرمدا منسوبا إليه سبحانه ، فاقتضت البلاغة أن يقول : (أَفَلا تَسْمَعُونَ) لمناسبة ما بين السماع والظرف الليلي الذي يصلح للاستماع ، ولا يصلح للإبصار.
وكذلك قال في الآية التي تليها : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (القصص : ٧٢) ، لأنه لما أضاف جعل النهار سرمدا إليه صار النهار كأنه سرمد ، وهو ظرف مضيء تنوّر فيه الأبصار ، وأضاف الإتيان بالليل إلى غيره ، وغيره ليس بفاعل على الحقيقة ، فصار الليل كأنه معدوم ؛ إذ نسب وجوده إلى غير موجد ، والنهار كأنه لا موجود سواه ، إذ جعل وجوده سرمدا منسوبا إليه ، فاقتضت البلاغة أن يقول : (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ؛ إذ الظرف مضيء صالح للإبصار ، وهذا من دقيق المناسبة المعنوية.
ومنه قوله تعالى في أول سورة الجاثية : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (٢) [وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الجاثية : ٣ ـ ٥). فإن البلاغة تقتضي أن تكون فاصلة الآية الأولى : (لِلْمُؤْمِنِينَ) ، لأنه سبحانه] (٢) ذكر العالم بجملته حيث قال : (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ومعرفة الصانع من الآيات الدالة على أنّ المخترع له قادر عليم حكيم ، وإن دلّ على وجود صانع مختار كدلالتها (٣) على صفاته مرتبة على [١٢ / ب] دلالتها على ذاته (٤) ، فلا بد أولا من التصديق بذاته ؛ حتى تكون هذه الآيات دالة على صفاته ، لتقدم الموصوف وجودا واعتقادا على الصفات. وكذلك قوله في الآية الثانية : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، فإنّ سرّ الإنسان وتدبر خلقه الحيواني (٥) أقرب إليه من الأول ، وتفكّره في ذلك مما يزيده يقينا في معتقده الأوّل. وكذلك معرفة جزئيات العالم ؛ من
__________________
(١) ساقطة من المطبوعة.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة وهو من المطبوعة.
(٣) في المطبوعة : (لدلالتها).
(٤) في المخطوطة : (على ذلك).
(٥) في المطبوعة : (خلقة الحيوان).