منها في أوائل النّحل ، وذلك أنه سبحانه (١) بدأ فيها بذكر الأفلاك فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) (النحل : ٣) ، ثم ذكر خلق الإنسان فقال : (مِنْ نُطْفَةٍ) (النحل : ٤) ، وأشار إلى عجائب الحيوان فقال : (وَالْأَنْعامَ) (النّحل : ٥) ، ثم عجائب النبات فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل : ١٠ ـ ١١) فجعل مقطع هذه الآية التفكر (٢) ، لأنه استدلال (٣) بحدوث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر المختار.
وفيه جواب عن سؤال مقدّر ؛ وهو أنه : [لم] (٤) لا يجوز أن يكون المؤثّر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر؟ ولما كان الدليل لا يتم [إلا] (٤) بالجواب عن هذا السؤال ؛ لا جرم كان مجال التفكر والنظر والتأمّل باقيا. إنه تعالى أجاب عن هذا السؤال من وجهين :
أحدهما : أن تغيّرات العالم الأسفل مربوطة بأحوال حركات الأفلاك ، فتلك الحركات حيث (٦) حصلت ؛ فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل ، وإن كان من الخالق الحكيم فذلك الإقرار بوجود الإله تعالى ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل : ١٢) ، فجعل مقطع هذه الآية العقل ، والتقدير كأنه قيل : إن كنت عاقلا فاعلم أنّ التسلسل باطل ، [ف] (٧) وجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها (٨) غير متحرك ، وهو الإله القادر المختار.
والثاني : أن نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة (٩) [والحبّة الواحدة واحدة. ثم إنا نرى الورقة الواحدة] (٩) من الورد أحد وجهيها (١٠) في غاية الحمرة ، والآخر في غاية السواد ، فلو كان المؤثر موجبا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار ، فعلمنا أن
__________________
(١) في المخطوطة : (وذلك سبحانه أنه).
(٢) في المخطوطة : (التفكير).
(٣) في المخطوطة : استدل.
(٤) من المطبوعة.
(٦) في المخطوطة : (كيف).
(٧) من المطبوعة.
(٨) في المخطوطة : (موجودها).
(٩) العبارة ساقطة من المخطوطة : وهي من المطبوعة.
(١٠) العبارة في المخطوطة : (أحدث وجهها).