وفيها سؤالان :
(أحدهما) : أنه سبحانه في الأولى قدّم نفي قبول الشفاعة على أخذ العدل ، وفي الثانية (١) قدّم نفي قبول العدل على الشفاعة. (السؤال الثاني) : أنه سبحانه وتعالى قال في الأولى : (لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (البقرة : ٤٨) وفي الثانية : (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) (البقرة : ١٢٣) فغاير بين اللفظين ، فهل ذلك لمعنى يترتب عليه ، أو من باب التوسّع في [١٨ / أ] الكلام ، والتنقل من أسلوب إلى آخر كما جرت عادة العرب؟
والجواب : أن القرآن الحكيم وإن اشتمل على النقل من أسلوب إلى آخر لكنه يشتمل مع ذلك على فائدة وحكمة ، قال الله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (٢) (هود : ١) ولم يقل «[من] (٣) رحمن ولا رحيم» ، للتّنصيص على أنه لا بدّ من الحكمة ؛ وهاتان الآيتان كلاهما في حق بني إسرائيل ، وكانوا يقولون : إنهم أبناء الأنبياء وأبناء أبنائهم ، وسيشفع لنا آباؤنا ، فأعلمهم الله أنه لا تنفعهم الشفاعة ، ولا تجزي نفس عن نفس شيئا. وتعلق بهذه الآية المعتزلة على نفي الشفاعة ، كما ذكره الزمخشريّ (٤) ؛ وأجاب عنها أهل السنّة بأجوبة كثيرة ليس هذا محلّها.
وذكر الله [في] (٥) الآيتين النفس متكرّرة (٦) ، ثم أتى بضمير يحتمل رجوعه إلى الأولى أو إلى الثانية ، وإن كانت القاعدة عود الضمير إلى الأقرب ؛ ولكن قد يعود إلى غيره ، كقوله تعالى : (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفتح : ٩) فالضمير في التعزير والتوقير
__________________
(١) في المطبوعة : (الثاني).
(٢) تصحفت الآية في المخطوطة هكذا : (كتاب فصّلت آياته من لدن حكيم خبير).
(٣) ساقطة من المخطوطة.
(٤) قال في الكشاف ١ / ٦٧ في الكلام على الآية ٤٨ من سورة البقرة : «فإن قلت : هل فيه دليل على ان الشفاعة لا تقبل للعصاة. قلت : نعم ؛ لأنه نفي أن تقضي نفس عن نفس حقّا أخلّت به من فعل أو ترك ، ثم نفي أن يقبل منها شفاعة شفيع ، فعلم أنها لا تقبل للعصاة» وردّ عليه الاسكندري في «الانتصاف» المطبوع بأسفل «الكشاف» بقوله : «أما من جحد الشفاعة فهو جدير أن لا ينالها وأما من آمن بها وصدّقها ـ وهم أهل السنّة والجماعة ـ فأولئك يرجون رحمة الله ، ومعتقدهم أنها تنال العصاة من المؤمنين ، وإنما ادّخرت لهم وليس في الآية دليل لمنكريها» ، وانظر مفاتيح الغيب للفخر الرازي ١ / ٥٣.
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) في المخطوطة : (منكرة).