(البقرة : ١٢٣) ؛ لأن الشفاعة إنما تقبل من الشافع ، [وإنما] (١) وتنفع (٢) المشفوع له.
وقال الراغب (٣) : «إنما كرر [لا] فيهما على سبيل الإنذار بالواعظ إذا وعظ لأمر فإنه يكرّر (٤) اللفظ لأجله تعظيما للآمر ـ قال ـ وأما تغييره النظم فلما كان قبول العدل وأخذه (٥) وقبول الشفاعة ونفعها متلازمة لم يكن بين اتفاق هذه العبارات (٦) واختلافها فرق في المعنى» وقال الإمام فخر الدين (٧) : «لما كان الناس متفاوتين ، فمنهم من يختار أن يشفع فيه مقدما على العدل الذي يخرجه ؛ ومنهم من يختار العدل مقدما على الشفاعة ، ذكر سبحانه وتعالى القسمين ؛ فقدم الشفاعة باعتبار طائفة ، وقدم العدل باعتبار أخرى».
قال بعض مشايخنا رحمهمالله تعالى : «الظاهر أنه سبحانه [و] (٨) تعالى إنما نفي قبول الشفاعة لا نفعها ، ونفي أصل العدل الذي هو الفداء ، وبدأ بالشفاعة لتيسيرها على الطالب أكثر من تحصيل العدل الذي هو الفداء ، على ما هو المعروف في دار الدنيا ؛ وفي الآية الثانية أنه لما تقرر زيادة تأكيدها بدأ فيها بالأعظم الذي [هو] (٩) الخلاص بالعدل ، وثنى بنفع الشفاعة فقال : (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) (البقرة : ١٢٣) ولم يقل : لا تقبل [١٨ / ب] منها شفاعة ، وإن كان نفي الشفاعة يستلزم نفي قبولها ؛ لأن الشفاعة تكون نافعة غير مقبولة ، وتنفع لأغراض : من وعد بخير ، وإبدال المشفوع بغيره ؛ فنفي النفع أعم ، فلم يكن بين نفي القبول ونفي النفع بالشفاعة تلازم ، كما ادّعاه الراغب. وكان التقدير بالفداء الذي هو نفي قبول العدل ونفي نفع الشفاعة شيئين مؤكّدين لاستقرار ذلك في الآية الثانية.
ومما يدل على أن نفي الشفاعة أمر زائد على نفي قبولها أنه سبحانه لما أخبر عن
__________________
(١) ساقطة من المطبوعة.
(٢) في المخطوطة : (تتبع).
(٣) هو الحسين بن محمد بن المفضل المعروف ب «الراغب الأصفهاني» أبو القاسم. أديب لغوي حكيم مفسّر. وله من التصانيف القيّمة : «تحقيق البيان في تأويل القرآن» و «الذريعة إلى مكارم الشريعة» و «محاضرات الأدباء» وغيرها توفي سنة (٥٠٢) (البيهقي ، تاريخ حكماء الإسلام : ١١٢ وحاجي خليفة ، كشف الظنون : ١٧٧٣).
(٤) في المخطوطة : (يكون).
(٥) في المخطوطة : (وحده).
(٦) في المخطوطة : (العبادات).
(٧) انظر مفاتيح الغيب للفخر الرازي ٢ / ٥٤ والنقل بتصرف.
(٨) ساقطة من المخطوطة.
(٩) ساقطة من المخطوطة.