المشركين أخبر بنفي النفع لا بنفي القبول فقال : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدّثر : ٤٨) ، وقال : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ) (سبأ : ٢٣) الآية. وفي الحديث الصحيح (١) : «أنهم قالوا : يا رسول الله ، هل نفعت عمّك أبا طالب؟ فقال : وجدته فنقلته إلى ضحضاح من النّار». مع علمهم أنه لا يشفع فيه.
فإن قيل : فقد قال في آخر السورة : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) (البقرة : ٢٥٤) فنفي الشفاعة ولم ينف نفعها. قيل : من باب زيادة التأكيد أيضا ؛ فإنه سبحانه ذكر في هذه الآية الأسباب المنجية في الدنيا ونفاها هناك ، وهي إما البيع الذي يتوصل به الإنسان إلى المقاصد ، أو الخلة التي هي كمال المحبة. وبدأ بنفي المحبة لأنه أعمّ وقوعا من الصداقة والمخالّة ، وثنّى بنفي الخلّة التي هي سبب لنيل الأغراض في الدنيا أيضا ؛ وذكر ثالثا نفي الشفاعة أصلا ، وهي أبلغ من نفي قبولها ؛ فعاد الأمر إلى تكرار الجمل في الآيات ليفيد (٢) قوّة الدلالة.
الرابع : بالتعريف والتنكير
كقوله في «البقرة» : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) (الآية : ٦١) وفي «آل عمران» : (بِغَيْرِ حَقٍ) (الآية : ١١٢).
وقوله في «البقرة» : (هذا بَلَداً آمِناً) (الآية : ١٢٦) ، وفي سورة «إبراهيم» : (هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (الآية : ٣٥) ؛ لأنه للإشارة إلى قوله : (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) (إبراهيم : ٣٧) ؛ ويكون (بَلَداً) هنا هو المفعول الثاني ، و (آمِناً) صفته ، وفي «إبراهيم» : (الْبَلَدَ) مفعول أول ، و (آمِناً) الثاني.
وقوله في «آل عمران» : (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الآية : ١٢٦) ، وفي «الأنفال» : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الآية : ١٠).
وقوله في «حم السجدة» : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصّلت : ٣٦) وفي
__________________
(١) الحديث من رواية العباس (عمّ النبي صلىاللهعليهوسلم) ، أخرجه مسلم في «الصحيح ١ / ١٩٥ كتاب الإيمان (١) باب شفاعة النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي طالب ، الحديث (٣٥٨ /...).
(٢) في المخطوطة : (يفيد).