وإذا أردت زيادة إيضاح فتأمل ما اشتملت عليه سورة «ص» من الخصومات المتعددة ؛ فأولها خصومة الكفار مع النبي صلىاللهعليهوسلم. وقولهم : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً..) (ص : ٥) ، إلى آخر كلامهم ، ثم اختصام الخصمين عند داود ، ثم تخاصم أهل النار ، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم ، وهو الدّرجات ، والكفارات ، ثم تخاصم [٢٣ / أ] إبليس واعتراضه على ربّه وأمره بالسجود ، ثم اختصامه ثانيا في شأن بنيه وحلفه ليغوينّهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم.
وكذلك سورة (ن وَالْقَلَمِ) ؛ فإن فواصلها كلها على هذا الوزن ، [مع] (١) ما تضمنت من الألفاظ النونية.
وتأمل سورة الأعراف زاد فيها «ص» لأجل قوله : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) (الآية : ٢) وشرح فيها قصص آدم فمن بعده من الأنبياء ، ولهذا قال بعضهم : معنى (المص) ، (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح : ١). وقيل : معناه المصوّر ، وقيل : أشار بالميم لمحمّد ، وبالصاد للصّديق ؛ وفيه إشارة لمصاحبة الصاد الميم ، وأنها تابعة لها كمصاحبة الصّدّيق لمحمد ومتابعته له.
وجعل السهيليّ هذا من أسرار الفواتح ، وزاد في الرعد «راء» لأجل قوله : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) (الآية : ٢) ولأجل ذكر الرعد والبرق وغيرهما.
واعلم أن عادة القرآن العظيم في ذكر هذه الحروف أن يذكر بعدها ما يتعلق بالقرآن كقوله : (الم ذلِكَ الْكِتابُ) (البقرة : ١ و ٢) وقد جاء بخلاف ذلك في العنكبوت والروم فيسأل عن حكمة (٢) [ذلك.
ثم لا بدّ من التنبيه على] (٢) أحكام تختص بهذه الفواتح الشريفة :
الأول : أن البصريين لم يعدّوا شيئا منها آية ؛ وأما الكوفيون فمنها ما عدّوه آية ، ومنها ما لم يعدّوه آية ؛ وهو علم توقيفيّ لا مجال للقياس فيه ؛ كمعرفة السور ؛ أما (الم)
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (أن يذكر) بدل ما هو ضمن الحاصرتين.