لوجهين : أحدهما أنه صدره ، والثاني أنها صدر ما تصدّر من حروف المعجم لتكون صورته ثلاثا ؛ وإنما كانت صدره لأن صورتها كالمتكررة أربع مرات ؛ لأنها تلبس صورة العين وصورة الألف والواو والياء لما يعرض من الحركة والسكون ، ولذلك أخّروا ما بعد الطاء والظاء والعين ؛ لأن صورتها ليست متكررة. وجوابه على هذا المذهب أن الحرف لا يمكن تنصيفه ، فيتعين سقوط حرف لأنه الأليق بالإيجاز.
الثالث عشر : مجيئها في تسع وعشرين سورة بعدد الحروف. فإن قلت : هلاّ روعي صورتها كما روعي عددها؟ قلت : عرض لبعضها الثّقل لفظا فأهمل.
فصل
اعلم أنه لما كانت هذه الحروف ضرورية في النطق ، واجبة في الهجاء ، لازمة التقدم في الخطّ والنّطق ـ إذ المفرد مقدّم على المركب ـ فقدمت هذه المفردات على مركّباتها في القرآن ، فليس في المفرد (١) ما في المركّب ، بل في المركّب ما في المفرد وزيادة. ولما كان نزول القرآن في أزمنة متطاولة ، تزيد على عشرين سنة ، وكان باقيا إلى آخر الزمان ، لأنه ناسخ لما قبله ، ولا كتاب بعده ، جعل الله [تعالى] حروفه كالعلائم ، مبيّنة أن هذه السورة هي من قبيل تلك التي أنزلت من عشر سنين مثلا ، حتى كأنها تتمة لها ، وإن كان بينهما مدة.
وأما نزول ذلك في مدد وأزمنة ، أو نزول سور خالية عن الحروف فبحسب تلك الوقائع. وأمّا ترتيب وضعها في المصحف ـ أعني [٢٤ / ب] السور ـ فله أسباب مذكورة في النوع الثالث عشر.
وأما زيادة بعض الحروف عن (٢) بعض السور وتغيير بعضها ، فليعلم أنّ المراد الإعلام بالحروف فقط ؛ وذلك أنه متى فرض (٣) الإنسان في بعضها شيئا مثل : (الم) السجدة ، لزمه في مثلها مثله ، كألف لام ميم البقرة ؛ فلما لم يجد دلّه ذلك الثاني على بطلان الأول ، وتحقق أن هذه الحروف هي علامات المكتوب والمنطوق. وأما كونها اختصّت بسورة البقرة فيحتمل [أنّ] (٤) ذلك تنبيه على السور ، وأنها احتوت على جملة المنطوق به من جهة الدلالة ؛ ولهذا
__________________
(١) في المخطوطة : (المفردات).
(٢) في المطبوعة : (في).
(٣) في المخطوطة : (فرط).
(٤) ساقطة من المخطوطة.