لغات العرب ومشقة نطقهم بغير لغتهم اقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر فأذن لكلّ منهم أن يقرأ على حرفه ، أي على طريقته في اللغة ؛ إلى أن انضبط الأمر في آخر العهد وتدرّبت الألسن ، وتمكّن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة ؛ فعارض جبريل النبيّ صلىاللهعليهوسلم القرآن مرّتين في السّنة الآخرة ، واستقرّ على ما هو عليه الآن ، فنسخ الله سبحانه تلك القراءة (١) [المأذون فيها بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة] (١) التي تلقّاها الناس. ويشهد لهذا الحديث الآتي ، من مراعاة التخفيف على العجوز والشيخ الكبير ، ومن التصريح في بعضها ، بأنّ ذلك مثل هلمّ ، وتعال».
والقائلون بأنها كانت سبعا اختلفوا على أقوال :
أحدها : أنه من المشكل الذي لا يدرى معناه ؛ لأن العرب تسمّي الكلمة المنظومة حرفا ، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة ، والحرف يقع على المقطوع من الحروف المعجمة ، والحرف أيضا المعنى والجهة ؛ قاله أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي (٢).
والثاني ـ وهو أضعفها ـ أن المراد سبع قراءات ؛ وحكي عن الخليل بن أحمد (٣). والحرف هاهنا القراءة ، وقد بيّن الطبريّ في كتاب «البيان» (٤) وغيره «أن اختلاف القراء إنما هو كلّه حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، وهو الحرف الذي كتب عثمان عليه المصحف».
__________________
التصانيف الفائقة. طلب العلم وأدرك الكبار ، وطال عمره وعلا سنده ، قال الحميدي «أبو عمر فقيه حافظ مكثر ، عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الرجال والحديث ، قديم السماع ، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي». توفي سنة ٤٦٣ (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٥٣).
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) هو الإمام المقرئ المحدّث محمد بن سعدان أبو جعفر الضرير النحوي ، روى عنه محمد بن سعد كاتب الواقدي ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما ، كان ثقة ، وكان يقرأ بقراءة حمزة بن حبيب الزيات ، من تصانيفه كتاب «القراءات» توفي سنة ٢٣١ ه (القفطي ، إنباه الرواة ٣ / ١٤٠).
(٣) هو الإمام اللغوي الخليل بن أحمد بن عمر أبو عبد الرحمن الفراهيدي ، أخذ عن أبي عمرو بن العلاء وأخذ عنه الأصمعي ، وسيبويه كان أول من استخرج العروض وضبط اللغة وحصر أشعار العرب ، من تصانيفه : كتاب «الجمل» وغيرها توفي سنة ١٦٠ ه (ياقوت ، معجم الأدباء ١١ / ٧٢).
(٤) هو تفسيره المعروف «بجامع البيان في تفسير القرآن» انظر مقدمته ١ / ١٨ ، ١٩ ، ٢٠.