قال أبو عمر : «إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها ، مختلف مسموعها ، لا يكون في شيء منها معنى وضده ، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا ينفيه ويضادّه ، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده» (١).
«وكذلك حديث أبي بكرة قال : جاء جبريل إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : اقرأ على حرف ، فقال ميكائيل : استزده ، فقال : على حرفين ، فقال ميكائيل : استزده ، حتى بلغ إلى سبعة أحرف ، فقال. اقرأه ، فكلّ شاف كاف ، إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ، نحو هلمّ ، وتعال ، وأقبل ، واذهب وأسرع ، وعجّل» (٢).
«وروي ذلك عن (٣) ابن عباس عن أبيّ بن كعب (٣)) ، أنه كان يقرأ : (لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) (الحديد : ١٣) أمهلونا ، أخرونا ، ارقبونا و (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) (البقرة : ٢٠) [مرّوا فيه] (٤) ، سعوا فيه» قال أبو عمر : «إلا أن مصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو فيها حرف واحد ، وعلى هذا أهل العلم».
قال : «وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من «جامعه» (٥) ، قال : قيل لمالك : أترى أن تقرأ مثل ما قرأ عمر بن الخطاب : فامضوا إلى ذكر الله (٦) (الجمعة : ٩) ، قال : جائز ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» (٧) ، ومثل «يعلمون» ، و «تعلمون»؟ قال مالك : لا أرى باختلافهم بأسا ، وقد كان الناس ولهم
__________________
(١) التمهيد ٨ / ٢٨٣.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٤١ و ٥١ ، وأخرجه الطبري في التفسير ١ / ١٨ وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عزاه له المتقي الهندي في كنز العمال ٢ / ٥٠ ـ ٥١ ، وأخرجه الطحاوي بإسناده كما نقل ابن عبد البر في التمهيد ٨ / ٢٩٠.
(٣) عبارة المطبوعة : (عن ابن مسعود وأبيّ بن كعب) والتصويب ما أثبتناه من كتاب التمهيد لابن عبد البرّ ٨ / ٢٩١.
(٤) ساقط من المخطوطة.
(٥) طبع من كتاب «الجامع» جزءان قسم (ج ديفيدول) في القاهرة ونشره المعهد الفرنسي للآثار الشرقية ١٣٥٧ ـ ١٣٦٦ ه / ١٩٣٩ ـ ١٩٤٨ م. ولم نجد قوله في الجزء المطبوع من كتابه.
(٦) ابن خالويه ، مختصر في شواذ القرآن : ١٥٦ ، وتفسير الطبري ٢٨ / ٦٥.
(٧) تقدم تخريج هذا الحديث أول النوع ص ٣٠٢ من هذا الجزء.