العربية ، حتى أنك لتجد كل مبحث منها خليقا أن يسلك في عداد مسائل علم من تلك العلوم.
فنسبته إليها كنسبة الفرع إلى أصوله ، أو الدليل إلى مدلوله. وما أشبهه بباقة منسّقة من الورود والياسمين ، إزاء بستان حافل بألوان الزهور والرياحين.
تاريخ «علوم القرآن» ، نشأته وتطوره
كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه يعرفون عن القرآن وعلومه ، ما عرف العلماء وفوق ما عرف العلماء من بعد ، ولكن معارفهم لم توضع على ذلك العهد كفنون مدوّنة ، ولم تجمع في كتب مؤلفة ، لأنهم لم تكن لهم حاجة إلى التدوين والتأليف.
أما الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فلأنه كان يتلقّى الوحي عن الله وحده. والله تعالى كتب على نفسه الرحمة ، ليجمعنّه له في صدره ، وليطلقنّ لسانه بقراءته وترتيله ، وليميطنّ له اللثام عن معانيه وأسراره. اقرأ إن شئت قوله سبحانه : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (القيامة : ١٦ ـ ١٩).
ثم بلّغ الرسول ما أنزل عليه لأصحابه ، وقرأه على الناس على مكث أي على مهل وتؤدة ، ليحسنوا أخذه ، ويحفظوا لفظه ، ويفهموا سرّه. ثم شرح الرسول لهم القرآن بقوله ، وبعمله ، وبتقريره ، وبخلقه ، أي بسنته الجامعة لأقواله وأفعاله ، وتقريراته ، وصفاته ، مصداقا لقوله سبحانه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل : ٤٤). ولكن الصحابة وقتئذ كانوا عربا خلّصا ، متمتعين بجميع خصائص العروبة ومزاياها الكاملة من قوّة في الحافظة ، وذكاء في القريحة ، وتذوّق للبيان ؛ وتقدير للأساليب ، ووزن لما يسمعون بأدق المعايير ، حتى أدركوا من علوم القرآن ومن إعجازه بسليقتهم وصفاء فطرتهم ، ما لا نستطيع نحن أن ندركه مع زحمة العلوم ، وكثرة الفنون.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم مع هذه الخصائص أميين ، وأدوات الكتابة لم تكن ميسورة لديهم ، والرسول نهاهم أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن وقال لهم أول العهد بنزول القرآن فيما رواه مسلم في «صحيحه» عن أبي سعيد الخدري رضياللهعنه : «لا