وأسند البيهقيّ في كتاب «المدخل» «والدلائل» عن زيد بن ثابت قال : «كنا حول رسول الله صلىاللهعليهوسلم نؤلف القرآن إذ قال : طوبى للشام ، فقيل له : ولم؟ قال : لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه». زاد في «الدلائل» : «نؤلف القرآن في الرقاع». قال : وهذا يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلىاللهعليهوسلم (١) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢) ، وقال : «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال : فيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة ، فقد جمع بعضه بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم جمع بحضرة أبي بكر الصديق ، والجمع الثالث وهو ترتيب السّور كان بحضرة عثمان».
واختلف في الحرف الذي كتب عثمان عليه المصحف ، فقيل : حرف زيد بن ثابت ، وقيل : حرف أبيّ بن كعب ؛ لأنه العرضة الأخيرة التي قرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وعلى الأول أكثر الرواة. ومعنى حرف زيد ، أي قراءته وطريقته.
وفي كتاب «فضائل القرآن» لأبي عبيد (٣) : عن أبي وائل ، قيل لابن مسعود : إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا ، فقال : ذاك منكوس القلب». رواه البيهقي (٤).
وأما ترتيب السور على ما هو عليه الآن فاختلف : هل هو توقيف من النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو من فعل الصحابة لم (٥) يفصّل؟ في ذلك ثلاثة أقوال :
١ ـ مذهب جمهور العلماء ؛ منهم مالك ، والقاضي أبو بكر بن الطيب ـ فيما اعتمده واستقر عليه رأيه من قوليه ـ إلى الثاني ، وأنه صلىاللهعليهوسلم فوّض ذلك إلى أمته بعده.
٢ ـ وذهبت طائفة إلى الأول ؛ والخلاف يرجع إلى اللفظ ؛ لأن القائل بالثاني يقول : إنه رمز إليهم بذلك (٦) لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته ؛ ولهذا قال الإمام مالك : إنما [ألّفوا] (٧) القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلىاللهعليهوسلم مع قوله بأن ترتيب السور اجتهاد منهم ،
__________________
(١) دلائل النبوة ٧ / ١٤٧ و ١٥٢ ، ولم نجده في القسم المطبوع من كتاب المدخل وقد تقدّم تخريج الحديث وافيا ص ٣٣١.
(٢) المستدرك ٢ / ٢٢٩.
(٣) هو القاسم بن سلام الهروي تقدمت ترجمته ص ١١٩. وأما كتابه «الفضائل» فتقدم التعريف به ص ٣٤٦.
(٤) ليس في «السنن الكبرى» والمطبوع من «المدخل» و «معرفة السنن» وقد ذكره ابن كثير في فضائل القرآن ص : ٧٨ ـ ٧٩.
(٥) في المطبوعة : (أو).
(٦) في المخطوطة : (ذلك).
(٧) ساقطة من المخطوطة.