تكتبوا عنّي ، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه ، وحدّثوا عنّي ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار» (١). وذلك مخافة أن يلتبس القرآن بغيره ، أو يختلط بالقرآن ما ليس منه ؛ ما دام الوحي نازلا بالقرآن. فلتلك الأسباب المتضافرة لم تكتب علوم القرآن ، كما لم يكتب الحديث الشريف ، ومضى الرعيل الأول على ذلك في عهد الشيخين أبي بكر وعمر. ولكن الصحابة كانوا مضرب الأمثال في نشر الإسلام وتعاليمه ، والقرآن وعلومه ، والسنة وتحريرها ، تلقينا لا تدوينا ، ومشافهة لا كتابة.
عهد التمهيد لتدوين علوم القرآن
ثم جاءت خلافة عثمان رضياللهعنه ، وقد اتّسعت رقعة الإسلام ، واختلط العرب الفاتحون بالأمم التي لا تعرف العربية ، وخيف أن تذوب خصائص العروبة من العرب من جراء هذا الفتح والاختلاط ، بل خيف على القرآن نفسه أن يختلف المسلمون فيه إن لم يجتمعوا على مصحف إمام ، فتكون فتنة في الأرض وفساد كبير ، لهذا أمر رضياللهعنه أن يجمع القرآن في مصحف إمام ، وأن تنسخ منه مصاحف يبعث بها إلى أقطار الإسلام ، وأن يحرق الناس كل ما عداها ولا يعتمدوا سواها ، كما يأتي تفصيله في مبحث جمع القرآن وكتابته.
وبهذا العمل وضع عثمان رضياللهعنه الأساس لما نسميه : «علم رسم القرآن» أو «علم الرسم العثماني».
ثم جاء عليّ رضياللهعنه فلاحظ العجمة تحيف على اللغة العربية ؛ وسمع ما أوجس منه خيفة على لسان العرب فأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع بعض قواعد لحماية لغة القرآن من هذا العبث والخلل ، وخطّ له الخطط وشرع له المنهج. وبذلك يمكننا أن نعتبر أن عليّا رضياللهعنه قد وضع الأساس لما نسميه : «علم النحو» ، ويتبعه «علم إعراب القرآن».
ثم انقضى عهد الخلافة الرشيدة ، وجاء عهد بني أمية ، وهمّة مشاهير الصحابة والتابعين متجهة إلى نشر علوم القرآن بالرواية والتلقين ، لا بالكتابة والتدوين. ولكن هذه
__________________
(١) مسلم ، الصحيح ٤ / ٢٢٩٨ ، كتاب الزهد والرقائق (٥٣) ، باب التثبت في الحديث ١٦ ، الحديث ٧٢ / ٣٠٠٤.