بعضهم أن يقال : سورة كذا ، والصحيح جوازه. ومنه قول ابن مسعود : «هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة».
وأما في الاصطلاح فقال الجعبريّ (١) : «حدّ السورة قرآن يشتمل على آي ذوات فاتحة وخاتمة. وأقلها ثلاث آيات. فإن قيل : فما الحكمة في تقطيع القرآن سورا؟ قلت : هي الحكمة في تقطيع السور آيات معدودات ؛ لكل آية حدّ ومطلع ؛ حتى تكون كلّ سورة بل كل آية فنّا مستقلا وقرآنا معتبرا ، وفي تسوير السورة تحقيق لكون (٢) السورة بمجرّدها معجزة وآية من آيات الله تعالى. وسوّرت السّور طوالا وقصارا وأوساطا تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز ؛ فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات وهي معجزة إعجاز سورة البقرة. ثم ظهرت لذلك حكمة في (٣) التعليم ، وتدريج (٣) الأطفال من السّور القصار إلى ما فوقها (٤) [يسيرا يسيرا] (٤) ، تيسيرا من الله على عباده لحفظ كتابه ، فترى الطّفل يفرح بإتمام السورة فرح من حصل على حدّ معتبر.
وكذلك المطيل في التلاوة يرتاح عند ختم كلّ سورة ارتياح المسافر إلى قطع المراحل المسماة مرحلة بعد مرحلة أخرى ؛ إلى أنّ كلّ سورة نمط مستقلّ ، فسورة يوسف تترجم عن قصته ، وسورة براءة تترجم عن أحوال المنافقين وكامن أسرارهم ، وغير ذلك. فإن قلت : فهلاّ كانت الكتب السالفة كذلك؟ قلت : (٥) لوجهين : أحدهما (٥) أنّها لم تكن معجزات من ناحية النظم والترتيب ، و (٦) الآخر أنها لم تيسّر للحفظ» (٦).
وقال الزمخشريّ : «الفوائد في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا كثيرة ـ وكذلك أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور ، وما أوحاه إلى أنبيائه مسوّرة ، وبوّب المصنّفون في كتبهم أبوابا موشّحة الصدور بالتراجم : منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع وأصناف كان أحسن وأفخم من أن يكون بابا واحدا. ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخره كان أنشط (٧) له ، وأبعث على التحصيل منه لو استمرّ على الكتاب بطوله ، ومثله المسافر إذا
__________________
(١) هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم تقدمت ترجمته ص ١٤٩.
(٢) في المخطوطة (لكن).
(٣) في المخطوطة : (التدرج وتعليم).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٥) عبارة المخطوطة (من وجوه أحدها).
(٦) عبارة المخطوطة (والثاني أنها لم تثبت من الحفظ).
(٧) في المخطوطة : (أبسط).