وفي مقدمة المؤلفات التي تطل علينا في هذا القرن يقف كتاب الواحدي (ت ٤٦٨ ه) «أسباب النزول». وقد اعتبر رائدا في هذا الباب لأنه كما قلنا سابقا أقدم المؤلفات التي وصلت إلينا مشتملة على شيء من التفصيل والمقارنة بين الروايات.
وفي القرن السادس يأتي كتاب ابن الجوزي عبد الرحمن (ت ٥٩٧ ه) باسم «أسباب النزول» أيضا ثم كتاب أبي عبد الله محمد بن أحمد الموصلي (ت ٦٥٦ ه) باسم «يتيمة الدرر في النزول وآيات السور» ، وتستمر سلسلة المؤلفات حتى تصل إلى ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ ه) ، وقد ذكر السيوطي في «الإتقان» أسماء من ألّف في أسباب النزول. كما ساهم هو الآخر بكتاب ألفه باسم «لباب النقول في أسباب النزول».
هذه السلسلة من المؤلفات تبيّن قلة من خاض غمار هذا الموضوع إذا قارنّاها بالخضم الكبير لمؤلفات التفسير والقراءات. ولعل سبب ذلك هو طبيعة الموضوع نفسه ، واقتصاره على الروايات المنسوبة إلى الصحابة الذين شهدوا نزول القرآن ، وعرفوا أسباب النزول. فالتأليف فيه لا يتجاوز الموازنة والمقارنة بين الروايات ونقدها ، وتمييزها لترجيح سبب نزول آية على غيرها ، أو قبول سببين لنزول آية في آن واحد دون تجاوز ذلك إلى دراسة ذاتية أو اجتهاد ، ورأي ، لأن طبيعة الموضوع لا تتجاوز نقل الروايات ونقدها.
أما الدراسات البلاغية المتعلقة بالقرآن الكريم فقد انطلقت من فكرة إعجاز القرآن ، فقد نزل القرآن الكريم وفي العرب أفصح الفصحاء ، وأبلغ الخطباء ، وتحداهم على أن يأتوا بمثله فلم يقدروا كما قال تعالى : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (الطور : ٣٤) وتحداهم الله تعالى : أن يأتوا بعشر سور منه في قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ، قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (*) ، فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (هود : ١٣ ـ ١٤) ثم تحداهم أن يأتوا بسورة في قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (يونس : ٣٨). فلما عجزوا عن معارضته والإتيان بمثله على كثرة الخطباء والبلغاء فيهم ومع اعتدادهم بأنفسهم وعنادهم في معارضتهم للرسول الكريم لما عجزوا نادى عليهم القرآن الكريم بإظهار العجز فقال جل من قائل : (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ