وألّف مكي بن أبي طالب حمّوش (ت ٤٣٧ ه) كتاب «الاختلاف في عدد الأعشار» والتعشير وضع علامة بعد كل عشر آيات من القرآن.
أما رسم المصحف وما يتعلق به من تنقيط وضبط يساعد على صحة القراءة ، فيبدو أنه بدأ منذ فترة مبكرة من عصر الصحابة ، ولعله سبق تقسيم القراءة إلى أعشار أو أخماس ، فقد ذكر الداني في «المحكم» ص ٢ عن الأوزاعي (بأن القرآن كان مجردا في المصاحف فأول ما أحدثوا فيه النقط على الياء والتاء وقالوا لا بأس به هو نور له ، ثم أحدثوا فيه نقاطا عند منتهى الآي ، ثم أحدثوا الفراغ والخواتم). وفي رواية أخرى عن قتادة أنه قال واصفا الصحابة (بدءوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا). وقد علق الداني على هذه العبارة بأنها تدل على أن الصحابة وأكابر التابعين رضوان الله عليهم هم المبتدءون بالنقط ورسم الخموس والعشور ؛ لأن حكاية قتادة لا تكون إلا عنهم ، إذ هو من التابعين ، وقوله بدءوا... الخ دليل على أن ذلك كان عن اتفاق من جماعتهم.
هذا فيما يتعلق بنشأة التنقيط ، أما التأليف فيه فقد نسب الداني أيضا مختصرا لأبي الأسود الدؤلي في التنقيط ، وذكر لنا رواية تفصل بدء وضعه التنقيط وذلك أنه اختار رجلا من بني عبد القيس وقال له (خذ المصحف مصبغا يخالف لون المداد ، فإذا فتحت شفتيّ فانقط واحدة فوق الحرف ، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ، وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في أسفله فإذا اتبعت شيئا من هذه الحركات غنه ـ ويريد بالغنة التنوين ـ فانقط نقطتين. فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره ، ثم وضع المختصر المنسوب إليه.
أما أول من صنف في النقط ورسمه في كتاب وذكر علله فهو الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٠ ه) ، وأبو محمد ، يحيى بن المبارك اليزيدي العدوي (ت ٢٠٢ ه) ثم عبد الله بن يحيى بن المبارك اليزيدي (ت ٢٣٧ ه) ، وأبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد (ت ٣٢٤ ه) ، وألّف فيه أبو بكر بن الأنباري ، ثم أبو الحسن أحمد بن جعفر بن المنادي (ت ٣٢٤ ه) ، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن أشتة (ت ٣٦٠ ه) ، وأبو الحسن علي بن محمد بن بشر الأنطاكي (ت ٣٧٧ ه) ، وأبو الحسن علي بن عيسى الرماني (ت ٣٨٤ ه).