وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة (١) رحمهالله : «قد أكثر المصنّفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة (ملك) و (مالِكِ) (الفاتحة : ٤) حتى إنّ بعضهم يبالغ إلى حدّ يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى ؛ وليس (٢) هذا بمحمود (٢) بعد ثبوت القراءتين ؛ واتّصاف (٣) الربّ تعالى بهما ؛ ثم قال : حتى إني أصلّي بهذه في ركعة ، وبهذه في ركعة».
[٥١ / ب] وقال صاحب «التحرير (٤)» : «وقد ذكر التوجيه في قراءة (وعدنا) و (واعَدْنا) (٥) : (البقرة : ٥١) لا وجه للترجيح بين بعض القراءات السبع وبعض في مشهور كتب الأئمة من المفسرين والقرّاء والنحويين ؛ وليس ذلك راجعا إلى الطريق حتى يأتي هذا القول ؛ بل مرجعه بكثرة الاستعمال في اللغة والقرآن ، أو ظهور المعنى بالنسبة إلى ذلك المقام».
وحاصله أن القارئ يختار رواية هذه القراءة على رواية غيرها ، أو نحو ذلك ؛ وقد تجرأ بعضهم على قراءة الجمهور في (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) (آل عمران : ٣٩) فقال : أكره التأنيث لما فيه من موافقة دعوى الجاهلية في زعمها أن الملائكة إناث ؛ وكذلك كره بعضهم قراءة من قرأ بغير تاء ؛ لأن الملائكة جمع.
وهذا كلّه ليس بجيّد ، والقراءتان متواترتان ؛ فلا ينبغي أن تردّ إحداهما البتّة ؛ وفي قراءة عبد الله : فناداه جبريل (٦) ما يؤيد أن الملائكة مراد به الواحد.
فصل
وتوجيه القراءة الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة ، ومن أحسن ما وضع فيه
__________________
(١) المرشد الوجيز : ١٧١ ، بتصرّف.
(٢) عبارة المخطوطة (المحمود).
(٣) في المخطوطة (اتصاف).
(٤) هو محمد بن سليمان بن الحسن أبو عبد الله البلخي الحنفي المعروف بابن النقيب ، ولد بالقدس سنة ٦١١ ه كان أحد العلماء الزهاد عابدا متواضعا أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر لا يخاف من ذي سطوة. له تفسير مشهور في نحو مائة مجلد (ت ٦٩٨ ه) بالقدس (الداودي ، طبقات المفسرين ٢ / ١٤٤) وكتابه «التحرير والتحبير في التفسير» مخطوط في مكتبة فاتح رقم ١٧٧ ، ومنه نسخة مصورة في معهد المخطوطات المصورة رقم ٧١.
(٥) قراءة أبي عمرو (واعَدْنا) بغير ألف وقراءة الباقين : (واعَدْنا) بالألف (التيسير ص : ٧٣).
(٦) البحر المحيط ٢ / ٤٤٦.