[شروطه]
وهذا الفنّ معرفته تحتاج إلى علوم كثيرة ؛ قال أبو بكر بن مجاهد (١) : «لا يقوم بالتّمام إلا نحويّ عالم بالقراءات عالم بالتفسير ، والقصص وتلخيص بعضها من بعض ، عالم باللّغة التي نزل بها القرآن». وقال غيره : وكذا علم الفقه ؛ ولهذا : من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب وقف عند قوله : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) (النور : ٤).
فأما احتياجه إلى معرفة النحو [٥٢ / أ] وتقديراته ، فلأنّ من قال في قوله تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (الحج : ٧٨) : إنه منصوب بمعنى «كملّة» (٢) أو أعمل فيها ما قبلها ، لم يقف على ما قبلها (٣) [ومن نصبها على الإغراء وقف على ما قبلها] (٣).
وكذا الوقف على قوله : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) (الكهف : ١) ، ثم يبتدئ (قَيِّماً) لئلا يتخيل كونه صفة له ؛ إذ العوج لا يكون قيّما ؛ وقد حكاه [ابن] (٤) النحاس عن قتادة.
وهكذا الوقف على ما [في] (٤) آخره هاء ؛ فإنك في غير القرآن تثبت الهاء إذا وقفت ، وتحذفها إذا وصلت ؛ فتقول : قه وعه ، وتقول : ق زيدا ، وع كلامي ؛ فأمّا في القرآن من قوله تعالى : (كِتابِيَهْ) (الحاقة : ١٩) و (حِسابِيَهْ) (الحاقة : ٢٠) و (سُلْطانِيَهْ) (الحاقة : ٢٩) و (ما هِيَهْ) (القارعة : ١٠) و (لَمْ يَتَسَنَّهْ) (البقرة : ٢٥٩) و (اقْتَدِهْ) (الأنعام : ٩٠) ؛ وغير ذلك ، فالواجب أن يوقف عليه بالهاء ؛ لأنه مكتوب في المصحف بالهاء ، ولا يوصل ، لأنه يلزم في حكم العربية إسقاط الهاء في الوصل ؛ فإن أثبتها خالف العربية ، وإن حذفها خالف مراد المصحف ، ووافق كلام العرب ، وإذا هو وقف عليه خرج من الخلافين ، واتّبع المصحف وكلام العرب. (فإن قيل) : فقد [وقف و] (٥) جوزوا الوصل في ذلك. (قلنا) : أتوا به على نية الوقف ؛ غير أنّهم قصّروا زمن الفصل بين النطقين ، فظن من لا خبرة له أنهم وصلوا وصلا محضا ، وليس كذلك.
__________________
(١) هو أحمد بن موسى بن العباس تقدم ذكره في ١ / ٣٥١ وقول ابن مجاهد ذكره ابن النحاس بتوسع في القطع والائتناف ص ٩٤ باب ما يحتاج إليه من حقق النظر في التمام.
(٢) تصحفت في الأصول إلى (كلمة) والتصويب من معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٣١ ، وانظر القطع والائتناف : ٩٥ ، وتفسير القرطبي ١٢ / ١٠١.
(٣) ساقط من المطبوعة.
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) ليست في المطبوعة.