والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ وغيرهما مما ذكرناه في هذا البحث أو لم نذكره ، وقد اكتفينا بذكر بعض علوم القرآن لأنها يمكن أن تقدم صورة للنشاط الفكري العظيم الذي أثاره القرآن الكريم ، وتصور خطوطا عامّة للجهود العلمية التي بذلها العلماء
وهكذا نشأت علوم القرآن ، وظهرت مؤلفات في كل نوع منها ، مما يروعك تصوّره بله الاطلاع عليه ، ومما يملأ خزائن كاملة من أعظم المكتبات في العالم. ثم لا يزال المؤلفون إلى عصرنا هذا يزيدون ، وعلوم القرآن ومؤلفاته تنمي وتزدهر وتزيد ، بينما الزمان يفنى والعالم يبيد! أليس إعجازا آخر للقرآن؟ يريك إلى أي حد بلغ علماء الاسلام في خدمة التنزيل. ويريك أنه كتاب لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي معارفه ، ولن يستطيع أن يحيط بأسراره إلا صاحبه ومنزّله.
وتزداد عجبا إذا علمت أن طريقة أولئك المؤلفين في تأليفهم ، كانت طريقة استيعاب واستقصاء ، يعمد أصحابها أن يحيطوا بجزئيات القرآن من الناحية التي كتبوا فيها بقدر طاقتهم البشرية. فمن يكتب في «غريب القرآن» مثلا يذكر كل مفرد من مفردات القرآن التي فيها غرابة وإبهام ، ومن يكتب في «مجاز القرآن» يقتفي أثر كل لفظ فيه مجاز أيّا كان نوعه في القرآن ، ومن يكتب في «أمثال القرآن» يتحدّث عن كل مثل ضربه الله في القرآن ، وهكذا سائر أنواع علوم القرآن ولا ريب أن تلك المجهودات الجبارة لا يتهيّأ لإنسان أن يحيط بها ولو أفنى عمره ، واستنفد وسعه!.
أول عهد بظهور مصطلح «علوم القرآن» كفن جامع
اشرأبّت أعناق العلماء أن يعتصروا من تلك العلوم علما جديدا يكون جامعا لها ، ودليلا عليها ، ومتحدّثا عنها ، فكان هذا العلم هو ما نسميه «علوم القرآن» بالمعنى المدوّن.
ولا نعلم أن أحدا قبل المائة الثالثة للهجرة ألّف أو حاول أن يؤلف في علوم القرآن بالمعنى المدوّن ، لأن الدواعي لم تكن موفورة لديهم نحو هذا النوع من التأليف. وإن كنا نعلم أنها كانت مجموعة في صدور المبرّزين من العلماء على الرغم من أنهم لم يدوّنوها في كتاب ، ولم يفردوها باسم.
أجل : كانت علوم القرآن مجموعة في صدور المبرّزين من العلماء ؛ فنحن نقرأ في