كما ظهرت فكرة جمع هذه العلوم في كتب المحدثين ، كما فعل الإمام البخاري (ت ٢٥٦ ه) في «الجامع الصحيح» وسنتناول بالدراسة بعض هذه التفاسير الكبيرة ، ثم نتناول بعض مقدمات التفاسير وكتب الحديث لنرى كيف كان وضع «علوم القرآن» فيها.
البرهان في علوم القرآن للحوفي (ت ٣٣٠ ه)
في دار الكتب المصرية كتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي اسمه «البرهان في علوم القرآن» ، وهو يقع في ثلاثين مجلدا ، والموجود منه الآن خمسة عشر مجلدا ، غير مرتبة ولا متعاقبة ، من نسخة مخطوطة والجزء الأول منه مفقود ، غير ان اسم الكتاب يدل على هذه المحاولة. وهو يعرض الآية الكريمة بترتيب المصحف ثم يتكلم عليها من علوم القرآن خاصا كل نوع منها بعنوان ، فيسوق النظم الكريم تحت عنوان : (القول في قوله عزوجل). وبعد أن يفرغ منه يضع هذا العنوان : (القول في الإعراب) ويتحدث عنها من الناحية النحوية واللغوية ، ثم يتبع ذلك بهذا العنوان (القول في المعنى والتفسير) ويشرح الآية بالمأثور والمعقول. ثم ينتقل من الشرح إلى العنوان الآتي : (القول في الوقف والتمام) مبينا تحته ما يجوز من الوقف وما لا يجوز. وقد يفرد القراءات بعنوان مستقل فيقول (القول في القراءة). وقد يتكلم في الأحكام الشرعية التي تؤخذ من الآية عند عرضها ، ففي آية (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) (البقرة : ١١٠) يذكر أوقات الصلاة وأدلّتها ، وأنصبة الزكاة ومقاديرها : ويتكلم على أسباب النزول ، وعلى النسخ ، وما إلى ذلك عند المناسبة. فأنت ترى أن هذا الكتاب أتى على علوم القرآن ، ولكن لا على طريقة ضم النظائر والأشباه بعضها إلى بعض تحت عنوان واحد لنوع واحد ، بل على طريقة النشر والتوزيع تبعا لانتشار الألفاظ المتشاكلة في القرآن وتوزّعها ، حتى كان هذا التأليف تفسير من التفاسير عرض فيه صاحبه لأنواع من علوم القرآن عند المناسبات. وأيّا ما يكن هذا الكتاب فإنه مجهود عظيم ، ومحاولة جديرة بالتقدير في هذا الباب.