وقد أكد هؤلاء جميعا صحة نسبة الكتاب للزركشي ، ولا خلاف بينهم في اسم الكتاب ، خاصة وأن الزركشي قد سمّاه في مقدمة كتابه.
منهج الزركشي في البرهان (١)
جمع الزركشي في «البرهان» أقوال المتقدمين حول علوم القرآن ، ولم تكن حتى عصره قد جمعت في كتاب واحد كما جمعت علوم الحديث إذ بدأ التصنيف في علوم الحديث في فترة مبكرة تعود للقرن الرابع الهجري. وفي ذلك يقول الزركشي في مقدمة الكتاب : (وممّا فات المتقدّمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث ، فاستخرت الله تعالى ـ وله الحمد ـ في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلّم الناس في فنونه).
ويقول السيوطي (٢) : (لقد كنت في زمان الطلب أتعجّب من المتقدّمين إذ لم يدوّنوا كتابا في أنواع علوم القرآن ، كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث..) وهذا يدل دلالة واضحة على أن علوم القرآن لم تكن نضجت حتى عصر الإمام الزركشي.
لقد كان الزركشي أول من سبق للتأليف في «علوم القرآن» بصورة جامعة شاملة ، ولا يعني هذا أن علوم القرآن لم تكن موجودة حتى عصره ، فإن كل فن من فنون القرآن كالتفسير ، والناسخ والمنسوخ ، والمتشابه ، والوقف والابتداء.. وجدت فيه التآليف المستقلة منذ العهود المبكرة للتأليف عند المسلمين ، كما ظهرت قبل «البرهان» محاولات أولية لجمع بعض علوم القرآن ، كما فعل ابن الجوزي (ت ٥٩٧ ه) في كتابه «فنون الأفنان» وأبو الحسن السخاوي (ت ٦٤٣ ه) في «جمال القرّاء» (٣)...
لقد كان الزركشي أول جامع لعلوم القرآن في كتابه «البرهان» بشكل شامل وما من شك أنه كان أمام مهمة شاقة وعسيرة لم يسبق إليها ، وكان كما قال الإمام أبو
__________________
(١) كتب الباحث عبد العزيز إسماعيل صقر دراسة بعنوان «الزركشي ومنهجه في علوم القرآن» وقدّمها كرسالة دكتوراه بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ١٤٠١ ه / ١٩٨١ م.
(٢) الإتقان ١ / ٤.
(٣) راجع فصل تاريخ علوم القرآن من هذه المقدمة.