أو قاربت أن تفعل ، والتقدير الأوّل بعيد ، إذ لم يذكر هذا الجارّ في وقت ؛ وقيل : رفع على البدل سدّ مسدّ الجزأين كما سدّ في قراءة حمزة (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) [آل عمران : ١٧٨] مسدّ المفعولين.
______________________________________________________
(أو قاربت أن تفعل) فلا حذف ، ولا خلاف على صحة هذا التقدير في أن المحل نصب ، (والتقدير الأول) وهو النصب على إسقاط الجار (بعيد إذ لم يذكر هذا الجار في وقت) ، وإنما يتأتى هذا الاستبعاد أن لو كان المدعى أن هذا الجار محذوف على سبيل الجواز ، وأما إذا كان المدعى أنه محذوف وجوبا فلا وجه للاستبعاد حينئذ ؛ لجريانه في كل شيء واجب الحذف.
(وقيل) : محل أن يقوم من نحو : عسى زيد أن يقوم. (رفع على البدل) من زيد وهو بدل اشتمال كما في قولك : أعجبني زيد قيامه ، واعترض هذا القول بأنه يلزم عليه كون البدل لازما تتوقف عليه فائدة الكلام ، وليس هذا شأن البدل ، قلت : ولا مانع من أن يكون البدل لازما لكونه المقصود بالحكم ، وكونه تابعا لا يقدح في اللزوم فقد رأينا بعض التوابع يلزم كتابع مجرور رب إذا كان ظاهرا (وسد) البدل على هذا القول (مسد الجزأين) اللذين يحتاج إليهما عسى ، فإنها على المشهور داخلة على ما هو في الأصل مبتدأ وخبر (كما سد) البدل (في قراءة حمزة ولا تحسبن) بالتاء الفوقية وفتح السين ((الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ) [آل عمران : ١٧٨] مسد المفعولين) ولا يضر الاقتصار على مفعول واحد لحسب وإن كان في غير هذا الموضع ممتنعا على المختار عند كثيرين ؛ وذلك لأن المبدل منه في حكم المنحى المطرح ، والمقصود إنما هو البدل وهو كاف في تمام الكلام ؛ لكون أن المفتوحة مع الاسم والخبر يصلح للوقوع موقع المفعولين ، إما باعتبار حصول المقصود من تعلق الفعل القلبي بالنسبة إلى المبتدأ والخبر ، وإما باعتبار الحذف أي : لا تحسبن خيرية الإملاء ثابتة على اختلاف الرائين ، ولا بعد في أن يكون الكلام لا يصح مع الاقتصار على المفعول الأول وهو مع الإتيان بالبدل يصح كما في قول الحماسي :
فما كان قيس هلكه هلك واحد |
|
ولكنه بنيان قوم تهدما (١) |
فإنه يمتنع بدون البدل إذ لا يقال : ما كان قيس هلك واحد ويصح معه كما رأيت ، وإنما لم يجعل إنما نملي لهم خير مفعولا ثانيا ؛ لأنه في تأويل خيرية إملائنا لهم ، ولا يصح أن يكون خبر الذين كفروا لمغايرته له وعدم صدقه عليه ، ويمكن أن يكون المعنى : ولا تحسبن حال الذين كفروا ، أو لا تحسبن الذين كفروا أنما تملي لهم خير فيتم الكلام حينئذ بالمفعولين ؛ لارتفاع المانع من الإخبار.
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لعبدة بن الطيب في ديوانه ص ٨٨ ، والأغاني ١٤ / ٨٧.