ظلمكم في الدنيا ، وهل هذه حرف بمنزلة لام العلّة أو ظرف والتعليل مستفاد من قوّة الكلام لا من اللفظ ؛ فإنه إذا قيل : ضربته إذ أساء ، وأريد بـ «إذ» الوقت ، اقتضى ظاهر الحال أن الإساءة سبب الضرب؟ قولان ، وإنما يرتفع السؤال على القول الأوّل ؛ فإنه لو قيل : «لن ينفعكم اليوم وقت ظلمكم الاشتراك في العذاب» لم يكن التّعليل مستفادا ، لاختلاف زمني الفعلين ؛ ويبقى إشكال في الآية ، وهو أن «إذ» لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين ، ولا تكون ظرفا لـ «ينفع» ؛ لأنه لا يعمل في ظرفين ،
______________________________________________________
ظلمكم في الدنيا) ، وإنكم مشتركون في محل رفع على أنه فاعل ينفع ، والتقدير كما قال ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب ، أي : كما كان عموم البلوى يطيب القلب في الدنيا ، ومنه قول الخنساء ترثي أخاها صخرا :
ولو لا كثرة الباكين حولي |
|
على إخوانهم لقتلت نفسي (١) |
ولا يبكون مثل أخي ولكن |
|
أسلي القلب عنه بالتأسي |
أما هؤلاء المشتركون في العذاب فلا ينفعهم اشتراكهم ، ولا يروحهم لعظم ما هم فيه ، واليوم وإذ كلاهما متعلق بالفعل.
(وهل) إذ (هذه) التي للتعليل (حرف بمنزلة لام العلة أو ظرف ، والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ ؛ فإنه إذا قيل : ضربته إذ أساء وأريد الوقت اقتضى ظاهر الحال أن الإساءة سبب الضرب) من جهة أن تعليق الحكم بوصف مشعر بعلية الوصف لذلك الحكم ، هذان الاحتمالان (قولان) ذهب إلى كل منهما بعض النحاة ، وانظر القول الثاني ؛ فإنه يلزم عليه أن تكون إذا للتعليل في نحو قولك سأضرب زيدا إذا أساء ولا قائل به.
(وإنما يرتفع السؤال) الذي سيورده قريبا (على القول الأول) وهو جعل إذ حرف علة ، وأما على القول الثاني وهو جعلها ظرفا والتعليل مستفاد من قوّة الكلام فلا يرتفع ذلك السؤال ؛ (فإنه لو قيل لن ينفعكم اليوم وقت ظلمكم الاشتراك في العذاب لم يكن التعليل مستفادا ؛ لاختلاف زمني الفعلين) النفع المنفي والظلم فإن زمن الأول زمن الآخرة ، وزمن الثاني زمن الدنيا ، (ويبقى إشكال الآية) وهو المراد بالسؤال المذكور أولا ، (وهو أن إذ لا يبدل من اليوم لاختلاف الزمانين) وهما زمان الآخرة وزمان الدنيا كما عرفت ، ولا إبدال مع الاختلاف (ولا تكون ظرفا لينفع) لا بطريق الاستقلال ولا بطريق التبعية ؛ (لأنه) ، أي : لأن الفعل (لا يعمل في ظرفين)
__________________
(١) البيت من البحر الوافر ، وهو للخنساء في المستطرف ٢ / ٥٨٨.