أملّ القلم ، وأعقب الشّأم ؛ فجمعت هذه المسائل ونحوها مقرّرة محرّرة في الباب الرابع من هذا الكتاب ، فعليك بمراجعته ، فإنّك تجد به كنزا واسعا تنفق منه ، ومنهلا سائغا ترده وتصدر عنه.
______________________________________________________
للمفعول ، أي طلب أقصاه بحيث انتهى إلى غايته ، (أمل القلم) استعارة تبعية في الفعل فإن الإملال الحقيقي ، وهو إحداث السآمة وضجر النفس لا يتعلق بالقلم.
(وأعقب السأم) بفتح السين المهملة والهمزة ، وهو الملالة أي : جعل السأم واقعا عقب الاستقصاء من غير تراخ.
(فجمعت هذه المسائل) المتقدمة (ونحوها مقررة محررة في الباب الرابع من هذا الكتاب) وإذا كان الأمر كذلك (فعليك بمراجعته) أي : بالعود إليه ، وعليك هنا اسم فعل بمعنى استمسك وإنما فسرناه بذلك لوجود الباء في المفعول ، فهو مثل «عليك بذات الدين» (١) ، وصرح الرضي بأن الباء في مثله زائدة ، قال : والباء تزاد كثيرا في مفعول أسماء الأفعال لضعفها في العمل ، فتعمل بحرف عادته إيصال اللازم إلى المفعول.
قلت : الزيادة خلاف الأصل وقد أمكن جعلها بمعنى فعل متعد بالباء ، كما رأيت فلا يعدل عنه ، ثم علل المصنف الأمر بالمراجعة بقوله : (فإنك تجد به) أي : الباب الرابع (كنزا واسعا تنفق منه) ، والكنز المال المدفون ، والمراد بسعته كثرته.
(ومنهلا) وهو اسم لمحل الشرب الذي ترده الشاربة ، واسم لما فيه من الماء المشروب.
(سائغا) ، أي : سهل الدخول إلى الحلق ، فإن جعل المنهل اسما للماء المشروب فالإسناد حقيقي ، وإن جعل اسما لمكان ذلك فالإسناد مجازي نحو نهر جار (ترده) أي : تصل إليه نائلا منه ، وفي القاموس : الورود الإشراف على الماء وغيره دخله أو لم يدخله.
قلت : لكن المراد هنا المباشرة والنيل لا مجرد الإشراف عليه.
(وتصدر) بضم الدال المهملة وكسرها مضارع صدر بمعنى رجع (عنه) أي : عن ذلك المنهل جعل المصنف هذا الباب محلا لما ينتفع به الناظر في نفسه ، ويستفيد منه ، ومن هذه الجهة شبه بالمنهل الذي يرده الشارب ، ويصدر عنه ريانا لما ناله منه ، ومحلا لما ينفع به ناظره
__________________
(١) جزء من حديث أخرجه البخاري في النكاح ، باب الأكفاء في الدين (٥٠٩٠) ، ومسلم في الرضاع ، باب استحباب نكاح ذات الدين (٧١٥) ولفظ : «إن المرأة تنكح على دينها ، ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك».