وتخريج بعضهم هذه الآية على أن «إذا» مبتدأ وما بعد الفاء خبر لا يصحّ إلا على قول أبي الحسن ومن تابعه في جواز تصرّف «إذا» وجواز زيادة الفاء في خبر المبتدأ ، لأن «عسر اليوم» ليس مسبّبا عن «النّقر» ، والجيّد أن تخرج على حذف الجواب مدلولا عليه بـ «عسير» ، أي : عسر الأمر. وأمّا قول أبي البقاء إنه يكون مدلولا عليه بذلك فإنه إشارة إلى «النقر» ، فمردود ، لأدائه إلى اتّحاد السبب والمسبّب ، وذلك ممتنع ؛ وأما نحو : «فمن كانت هجرته إلى الله
______________________________________________________
لهم في معنى أنفسهم الخبيثة قولا بليغا أو قل لهم في أنفسهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم ، مسارا لهم بالنصيحة ؛ لأنها في السر أنجع قولا بليغا يبلغ منهم ويؤثر فيهم اه قلت : وعلى الأول فمعمول الصفة قد تقدم على الموصوف وهو خلاف ما منعه المصنف فحرره.
(وتخريج بعضهم هذه الآية على أن إذا مبتدأ وما بعد الفاء خبر لا يصح إلا على قول أبي الحسن ، ومن تابعه في جواز تصرف إذا وجواز زيادة الفاء في الخبر) ولا يجوز أن تكون هذه الفاء هي الداخلة على الخبر ، حيث يتضمن المبتدأ معنى الشرط للدلالة على السببية نحو الذي يأتيني فله درهم ؛ (لأن عسر اليوم ليس سببا عن النقر) ، فيلزم كون الفاء لمحض الزيادة فإن قلت : قد يكون المراد من جواب الشرط الإعلام به فيكون هو المشروط ، كما في قولك : إن أكرمتني اليوم أكرمتك أمس ، فههنا يستحيل أن يكون مضمون الجملة وهو الإكرام الواقع في الأمس مسببا عن الإكرام الواقع بعده ، وإنما المشروط هو الإعلام بمضمون الجملة والإخبار به أي : إن إكرامك إياي في هذا اليوم سبب لأن أخبرك بإكرامي إياك أمس ، وهذا متأت هنا بأن يقال : المسبب عن النقر ليس العسر ، وإنما الإخبار به هو المسبب ، كما قال ابن الحاجب في قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] إن هذه الآية جيء بها لإخبار قوم استقرت بهم نعم ، جهلوا معطيها وشكوا فيه فاستقرارها مجهولة أو مشكوكة سبب للإخبار بأنها من الله ، قلت : الإخبار بالمسبب عن النقر وهو حصول الأهوال العظيمة لا يصلح لأن يكون معلقا بالنقر (والجيد أن تخرج على حذف الجواب مدلولا عليه بعسير أي : عسر الأمر) كذا قدره صاحب «الكشاف» وجماعة (وأما قول أبي البقاء أنه يكون مدلولا عليه بذلك ؛ لأنه إشارة إلى النقر فمردود لأدائه إلى اتحاد السبب والمسبب وذلك ممتنع) وعند التأمل لا يمتنع ؛ لأن النقر سبب لوقوع الأهوال العظيمة فإذا جعل جوابا للشرط المتحد معه لفظا جعل الجواب مسببه ، وكان من حذف المسبب وإقامة السبب مقامه ، ولا إشكال حينئذ (وأما نحو «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» (١) فمؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار المسبب أي :
__________________
(١) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء إن الأعمال بالنية (٥٤) ، ومسلم ، كتاب الإمارة ، باب قوله