ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» فمؤوّل على إقامة السبب مقام المسبب ، لاشتهار المسبب ، أي : فقد استحقّ الثواب العظيم المستقرّ للمهاجرين.
قال أبو حيان : ورد مقرونا بـ «ما» النافية ، نحو : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ) الآية [الجاثية : ٢٥] ، و «ما» النافية لها الصّدر ، انتهى.
وليس هذا بجواب ، وإلا لاقترن بالفاء ، مثل : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت : ٢٤] ، وإنما الجواب محذوف ، أي : عمدوا إلى الحجج الباطلة.
______________________________________________________
فقد استحق الثواب العظيم المستقر للمهاجرين) وهذا متأت في قول أبي البقاء الذي تقدم على ما أسلفناه ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [المائدة : ٧٦] ولا شك أن عدم تبليغ الرسالة سبب لما لا يخفى ، فحذف المسبب وأقيم السبب مقامه صونا له عليه الصلاة والسّلام عن أن يواجه بما يترتب على عدم التبليغ المفروض ، ومعاملة له بما يليق بمنصبه الشريف من الإجلال والتعظيم.
(قال أبو حيان : وورد مقرونا بما النافية نحو (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ) [الجاثية : ٢٥]) اذكر (الآية) وهي قوله تعالى : (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وليس لقوله هنا الآية موقع عند المصنفين ؛ فإن العادة جارية عندهم بأنهم إنما يفعلون ذلك إذا كان في بقيته شاهد آخر لما يتلونها بسببه ، فيقتصرون على بعضها لما فيه من الشاهد ويشيرون بقولهم الآية إلى ما في بقيتها من شاهد أو أكثر لما هم بصدده ، وليس الأمر هنا بهذه المثابة (وما النافية لها الصدر) فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها (اه) كلام أبي حيان (وليس هذا الجواب وإلا لاقترن بالفاء مثل (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت : ٢٤]) ولقائل أن يقول : لا يلزم من اقتران الجواب هنا بالفاء اقترانه هناك ؛ لأن الشرط هنا بإن وهي أصلية في بابها ، بخلاف إذا ، قال الرضي : ولعدم عراقة إذا في الشرطية جاز أن يكون جوابها جملة اسمية بغير فاء ، كما في قوله تعالى : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى : ٣٧] وقرن المصنف جواب إن الشرطية باللام وهو ممتنع ، وسيأتي له مثله في مواضع ويقع كذلك في كلام المصنفين كثيرا (وإنما الجواب محذوف أي : عمدوا إلى الحجج الباطلة) ويمكن أن يقال : إن المعنى على قسم مقدر مقدم قبل إذا فيكون الجواب له لفظا كما في قوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١١٢]
__________________
إنما الأعمال بالنيات ... (١٩٠٧) ، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا (١٦٤٧) ، والنسائي كتاب الطلاق ، باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه (٣٤٣٧) ، وأبو داود ، كتاب الطلاق ، باب فيما عني به الطلاق والنيات (٢٢٠١).