سمّيته بـ «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» وخطابي به لمن ابتدأ في تعلّم الإعراب ، ولمن استمسك منه بأوثق الأسباب.
ومن الله تعالى أستمدّ الصواب ، والتوفيق إلى ما يحظيني لديه بجزيل الثواب ، وإياه أسأل أن يعصم القلم من الخطأ والخطل ، والفهم من الزّيغ والزّلل ؛
______________________________________________________
يحصل بها العرفان ؛ لكن المتبادر منها بحسب العرف الأمور الحسنة النفيسة ، وفي هاتين السجعتين لزوم ما لا يلزم.
(سميته بمعني اللبيب عن كتب الأعاريب) وهذا علم قصدت فيه المناسبة ولا خفاء بما فيه من الإشعار بالمدح ؛ فيكون لقبا ، واللبيب العاقل ، وكذا الأريب ، فلو قال : مغني الأريب لكان أحسن ؛ لاشتمال السجع حينئذ على لزوم ما لا يلزم ، وما أحسن قول الشيخ بهاء الدين القيراطي رحمهالله تعالى يقرظ هذا الكتاب :
جلا ابن هشام من أعاريبه لنا |
|
عروسا عليها غيره الدهر لا يبنى |
وأبدى لأصحاب اللسان مصنفا |
|
يفدى بعين كلما حل في أذني |
ولقبه مغنى اللبيب فأصبحوا |
|
وما منهم إلا فقير إلى المغني |
(وخطابي به لمن ابتدأ في تعلم الإعراب ولمن استمسك منه بأوثق الأسباب) يعني أنه وضع كتابه هذا للمبتدىء والمنتهي ، لاشتماله على المسائل النافعة للناشئين في هذا الفن التي تدرك بسهولة ، والمباحث الغامضة التي لا يدركها إلا من ارتقى فيه إلى ذروة الكمال ، وتتبع كلامه في هذين النوعين شاهد صدق بما ادعاه ، والأسباب : جمع سبب وهو الحبل ، ويطلق أيضا على كل ما يتوصل به إلى غيره وكل منهما ممكن الإرادة ههنا ، لكن الأوّل على سبيل الاستعارة.
(ومن الله أستمد التوفيق والصواب إلى ما يحظيني لديه بجزيل الثواب) الاستمداد طلب المدد ، والصواب خلاف الخطأ ، والتوفيق خلق القدرة والداعية إلى الطاعة ، ويحظيني ، أي يجعلني ذا حظوة ، والجزيل العظيم ، والثواب الجزاء كالمثوب.
(وإياه أسأل أن يعصم القلم من الخطأ والخلل ، والفهم من الزيغ والزلل) العصمة : المنع ، والخطأ معروف ، والخلل : الكلام الفاسد المضطرب ، والمراد أن يعصم القلم من كتابة هذين الأمرين ، أي : كتابة ما يدل عليهما ، والزيغ : الميل ، والمراد هنا الميل عن جهة الصواب ، والزلل الخروج عما يراد الثبوت عليه.