كقوله [من الطويل] :
٤ ـ أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل |
|
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي |
______________________________________________________
بهاء الدين السبكي رحمهالله تعالى قدح في عبارة القوم ، وادعى أنها غير محررة ، ذكر ذلك في شرح التلخيص ، وينادى مبني للمفعول ، والقريب نائب عن الفاعل ، ولو جعل الفعل مبنيا للفاعل المخاطب ، والخطاب لكل من يصلح أن يخاطب ، ونصب القريب على أنه مفعول به لصح ، قيل ، والسر في كونها وضعت لنداء القريب دون البعيد أن نداء البعيد يحتاج إلى رفع الصوت ، وهو يحصل بكثرة الحروف وإلى مده ، وهو يحصل بأن يكون آخره ألفا ، والمعنيان منتفيان من الهمزة فجعلت لنداء القريب.
(كقوله) أي : قول امرىء القيس ، وجاز الإضمار بناء على شهرة الكلام المحكي له ، فإن قلت : قد اشتهر في جميع الكتب مثل هذه العبارة فيقال : كقوله وقولها ، أي : الشاعر والشاعرة وإن لم يشتهر بل جهل القائل بيقين؟
قلت : هذه لا تدفع جواز الإضمار نظرا إلى شهرة القائل ، كما ظنه الشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح المفتاح ، والحاصل : أن القائل تارة يجهل ، فيقال كقوله مثلا ، ويعود الضمير على القائل بدلالة لفظ القول ، وتارة يعلم ويكون المحكي مشهور النسب إليه بحيث يتبادر الذهن بذكر القول إلى معرفة قائله ، فيجوز الإضمار بناء على هذا ، وما نحن فيه من هذا القبيل.
(أفاطم مهلا بعض هذا التدلل) |
|
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي (١) |
وهذا البيت من بحر الطويل عروضه وضربه مقبوضان وكذا جزؤه الأوّل ، وهو مقفى بمعنى أن عروضه جاءت على وفق ضربه زنة ورويا من غير إخراج للعروض عن وزنها المعهود ، وأكثر ما تكون التقفية في مطلع القصيدة ، وقد تأتي في أثنائها عند الخروج من غرض إلى غرض كما وقع هنا فإن أمرأ القيس استعمل التقفية في أوّل قصيدته حيث قال :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللوى بين الدخول فحومل (٢) |
ثم قفى هنا بعد أبيات مرت له ، والأصل أفاطمة فرخم بحذف الهاء وأبقى الميم على
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٢ ، والجني الداني ص ٣٥ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٦٧. اه.
(٢) البيت في البحر الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٨ ، وخزانة الأدب للبغدادي ١ / ٣٣٢. وخزانة الأدب للحموي ١ / ١٩ ، وصبح الأعشى ٢ / ٣٠٧.