وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا اللغة ، ونازع السهيلي وغيره في المحكيّ عن ابن عبّاس وغيره في الآية مستمسكين بأن الاستفهام التقريريّ خبر موجب ، ولذلك امتنع سيبويه من جعل «أم» متّصلة في قوله تعالى : (أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ) [الزخرف : ٥١ ـ ٥٢] لأنها لا تقع بعد الإيجاب ، وإذا ثبت أنه إيجاب فـ «نعم» بعد الإيجاب تصديق له ، انتهى.
ويشكل عليهم أن «بلى» لا يجاب بها عن الإيجاب ، وذلك متّفق عليه ،
______________________________________________________
في الصورتين المذكور في إحداهما بلى ، وفي الأخرى نعم (وجروا في ذلك على مقتضى العرف) الجاري عندهم في ذلك (لا اللغة) ، والأقارير مبنية على ما هو مستعمل عند أهل العرف ، ولا يلزمون فيها إلا بما هو المتعارف بينهم ، قال ابن الحاجب : غير العرف نعم في الإيجاب نفي معه استفهام ، ولذلك لو قال شخص : نعم في جواب أليس لي عليك ألف ألزمناه بالألف تغليبا للعرف ؛ إذ المراد منه عرفا لك علي ألف ، والعرف مقدم على اللغة باعتبار أحكام الشرع ، ومستند إخراج العرف نعم عن وضعه الأصلي أن النفي الواقع بعد الاستفهام للتقرير ، فيكون موجبا من حيث المعنى ، (ونازع السهيلي وجماعة في المحكى عن ابن عباس وغيره في الآية) وهي (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] (متمسكين بأن الاستفهام التقريري خبر موجب ، ولذلك امتنع سيبويه من جعل أم متصلة في قوله تعالى : (أَفَلا تُبْصِرُونَ ٥١ أَمْ أَنَا خَيْرٌ) [الزخرف : ٥١ ـ ٥٢] فإنها لا تقع بعد الإيجاب) وهذا معارض لما حكاه في الكلام على أم عن سيبويه ، من أنه يراها في هذه الآية متصلة ، والحق ما ذكره هنا ، وقد أسلفنا نص سيبويه من أنه يراها في الكتاب في ذلك المحل ، وما ذكره في تعليل امتناع سيبويه من جعل أم متصلة في الآية المذكورة مبني على أن الاستفهام المفاد بالهمزة المعادلة لأم لا بد أن يكون حقيقيا ، وقد أسلفنا الكلام عليه ، (وإذا ثبت أنه إيجاب فنعم بعد الإيجاب تصديق له) فلا يلزم الكفر ، إذ مضمون ألست بربكم أنا ربكم ، فذكر نعم في جوابه تصديق له فلا يلزم كفر (اه) كلام هؤلاء الجماعة ، قال الرضي : وجوز بعضهم إيقاع نعم في موضع بلى إذا جاء بعد همزة داخلة على نفي ، لفائدة التقرير أي : الحمل على الإقرار والطلب له ، فيجوز أن يقول في جواب : ألست بربكم ، و (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ، نعم ؛ لأن الهمزة للإنكار دخلت على النفي فأفادت الإيجاب ، فتكون نعم في الحقيقة للخبر المثبت المؤول به الاستفهام ، ولا تقريرا لما بعد همزة الاستفهام فلا تكون جوابا للاستفهام ، لكون ما بعد أداته فالذي قاله ابن عباس مبني على كون نعم تقريرا لما بعد الهمزة ، والذي جوزه هذا القائل مبني على كونه تقريرا لمدلول الهمزة مع حرف النفي فلا يتناقضان (ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها الإيجاب ، وذلك متفق عليه) ولا إشكال في الحقيقة ؛ فإن