وأما التّرتيب فخالف قوم في اقتضائها إياه ، تمسّكا بقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الزمر : ٦] ، (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ)
______________________________________________________
فإذا دار الأمر في محل بين زيادة تلك حمل على ما عهد له نظير ، دون ما لم يعهد له نظير ، فإن قلت : لا شك أن العطف من جملة التوابع ؛ والتابع هو الثاني الذي أعرب بإعراب سابقه من جهة واحدة ، ونحن نرى العطف يجري في الجمل التي لا إعراب لها أصلا كقام زيد ثم قعد عمر ، فكيف هذا؟ قلت : يعلم جواب ذلك من كلام ذكره ابن الحاجب في شرح «المفصل» ، ونحن نورده برمته لما فيه من الفائدة.
قال رحمهالله : إن وقع بعد حروف العطف المفردات فلا إشكال.
وإن وقع بعدها الجمل ، فإن كانت من الجمل التي هي صالحة لمعمولية ما تقدم كان حكمها حكم المفرد في تشريك العامل وإعرابه نحو : أصبح زيد قائما وبكر قاعدا ، وإن كانت غير ذلك فلا يخلو إما أن تكون فعلية تقدم قبلها ما يصح أن يكون الفعل معطوفا عليه باعتبار عامله ، أي : اعتبار عامل الفعل الذي تقدمه أولا ؛ فإن كان ذلك عطف على ما تقدم باعتباره ، أي : باعتبار عامله دون معموله من فاعل ومفعول ؛ لتخالفهما في ذلك كقولك : أريد أن يضرب زيد عمرا ويكرم بكر خالدا ، فعطفت يكرم خاصة دون معموله على يضرب خاصة ؛ لاشتراكه معه في عامله ، وهو إن ولم تعطف معموله من فاعله ومفعوله على فاعل الأول ومفعوله ؛ لتعذر عطفهما عليهما إذ لم يشرك معمولا الأول والثاني في عامل واحد ، بخلاف الفعلين فإن معنى التشريك فيهما حاصل مراد ، فيصح فيهما ما لا يصح في معمولهما ، وإن كانت الجملة معطوفة على غير ذلك بأن كانت الجملة اسمية أو فعلية ، لكن لم يتقدمها ما يصح أن يكون الفعل معطوفا عليه باعتبار عامله ؛ بناء على أنه لا يكون الفعل الذي تقدمه عامل مثل زيد قائم وعمر ومنطلق ، وقام زيد وخرج عمرو ، والمراد من مثل ذلك حصول مضمون الجملتين ، فكأنه حصل قيام زيد وخروج عمرو فيدخل في حد العطف حينئذ ؛ لأن المعطوف يكون مقصودا بالنسبة وهي نسبة الحصول إلى متبوعه ؛ وفائدة العطف الإيذان بحصولهما وأن لا يتوهم أن المقصود الجملة الثانية ، وأن الأولى من الغلط كما في بدل الغلط إذا قيل : جاء زيد عمرو فالعاطف رابط بينهما ، وهذا أحسن من قول إمام الحرمين فائدة العطف في الجمل تحسين الكلام لا غير ، فإنه لو كان كما ذكر لم يكن فرق بين الواو وثم ، ونحن قاطعون بأن معنى جاء زيد وذهب بكر مغاير لمعنى جاء زيد ثم ذهب بكر.
(وأما الترتيب فخالف قوم في اقتضائها إياه تمسكا بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها)) هكذا هو في جميع النسخ التي وقفت عليها من هذا الكتاب ، وهو