.......
______________________________________________________
الماضي جعلت الشرط لفظ كان كقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة : ١١٦](وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) [يوسف : ٢٦] وإنما اختص ذلك بكان ؛ لأن الفائدة التي تستفاد منه في الكلام الذي هو فيه الزمن الماضي فقط ، ومع النص على المضي لا يمكن إفادة الاستقبال ، وهذا من خصائص كان دون سائر الأفعال الناقصة ، وهذا الكلام مع ما فيه من النظر مشى عليه التفتازاني في مواضع من حاشية الكشاف.
قلت : والقول بأن إن الشرطية لا تنقل كان بخصوصها عن معنى المضي بل هو باق معها هو مذهب المبرد ، نقله عنه جدي من قبل الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير في تفسيره المسمى «بالبحر الكبير» قال : والصحيح أنها يعني : كان الواقعة بعد إن الشرطية بمنزلة غيرها من الأفعال الماضية ، وهو مذهب الجمهور وظاهر كلام الجزولي ؛ لأنه قال : والماضي بالموضع له قرائن تصرف معناه إلى الاستقبال دون لفظه ، وهي أدوات الشرط كلها إلا لو ولما ، قال جدي المشار إليه : ولو كانت إن لا تقلب معنى كان إلى الاستقبال لقوة دلالتها على الماضي لما جاز أن تأتي بعد إن ، والمراد بها الاستقبال في موضع من المواضع ، وليس الأمر كذلك ألا ترى أن المعنى على الاستقبال في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة : ٦].
وقال ابن الحاجب في «شرح منظومته» : وقد يراد به يعني الفعل الواقع شرطا ؛ لأن الماضي مع المستقبل جميعا ، لا الماضي وحده كما جوزه بعضهم مثل قوله تعالى : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) [محمد : ٣٦] فيدخل في ذلك الماضي والمستقبل جميعا ، وكذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) [البروج : ١٠] والمراد به أصحاب الأخدود وغيرهم ممن يفعل فعلهم ، قلت : ليس ما في هذه الآية من قبيل الشرط الذي فيه الكلام حتى يورده هنا ، ولكن لما كان هذا مشابها للشرط ، وكان الحكم الذي ذكره هنا جاريا في مشابه الشرط أورد هذا المثال أيضا ؛ تنبيها على جريان الحكم المذكور فيه ، ثم قال : وكذلك (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ) [الطلاق : ١١] وأشباهه والمراد من آمن ومن يؤمن ؛ لأن المعنى والسياق يقتضي ذلك ، ولذلك يحكم بالعموم في مثل إن جاءك رجل عالم فأكرمه ، وبالتكرير في المطلق ؛ لأن السياق باعتبار المعنى يقتضي ذلك ، إذ العرف في مثله قصد التكرير كقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) [المائدة : ٦] وكقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) [المائدة : ٦] ولا إشكال في ذلك ، فإن قلت : فيلزم على هذا تكرير المشروط بتكرير الشرط ، ومعلوم أنك لو قلت : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فدخلت مرة طلقت ، ثم لو دخلت مرة ثانية لم تطلق.