الكتاب إلّا ليؤمننّ به ، فحذف المبتدأ ، وبقيت صفته ؛ ومثله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)
______________________________________________________
الكتاب إلا ليؤمنن به ، فحذف المبتدأ) وهو أحد (وبقيت صفته) وهو الجار والمجرور ، والخبر هو الجملة الواقعة بعد إلا ، والاستثناء مفرغ نحو ما زيد إلا قائم ، والضمير من به يرجع إلى عيسى عليهالسلام ، والضمير من موته راجع إلى ذلك المبتدأ المحذوف ، والمعنى ما أحد من اليهود والنصارى إلا سيؤمن قبل أن يموت بأن عيسى عبد الله ورسوله ، وهذا الإيمان لا بدّ من وقوعه من كل أحد ، ولو حين تزهق روحه ولا ينفعه إيمانه ، ويؤيده قراءة من قرأ إلا ليؤمنن به من قبل موتهم ، بضم النون لأن أحدا في معنى الجميع ، وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معالجة الإيمان قبل أن يضطروا إليه ولا ينتفعوا به ، وقيل : الضميران لعيسى عليهالسلام والمعنى : إذا نزل من السماء آمن به أهل الملل كافة ، روي «أنه ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيقتله ويؤمن به أهل الكتاب جميعا وتصير الملة كلها إسلامية ، ويقع الأمن حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات ، ويلبث بالأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه» (١) ، فإن قلت : لم غير المصنف أسلوبه في سوق الأمثلة المتقدمة فقال : هنا ومن ذلك؟ قلت : لعله إنما فعل ذلك ؛ لأن المبتدأ في هذه الآية غير مذكور ، فربما توهم أن لا جملة اسمية بناء على فقد المبتدأ صورة ، فأراد التصريح بأنها من قبيل الجملة الاسمية ، لينتبه لأن المبتدأ محذوف ، فإن قلت : صرح الزمخشري بأن ليؤمنن به جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف ، تقديره : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به ، فالاستثناء عنده مفرغ من أعم الأوصاف والموصوف المقدر مبتدأ مقدم الخبر ، أو فاعل للظرف ، فلم عدل المصنف عن ذلك؟ قلت : لأنه يرى أن إجازة التفريغ في الصفة مخالف لكلام النحويين ، فلا يرضاه كما ستعرفه إن شاء الله تعالى في أواخر الباب الثاني.
فإن قلت : ويلزم على إعراب المصنف حذف الموصوف مع كون الصفة ظرفا ، وحكم حذف موصوفه حكم حذف موصوف الجملة في أنه مخصوص بالشعر ، قلت : إنما ذاك إذا لم يكن المنعوت بعض مجرور بمن ، أو في ، وهو في الآية بعض مجرور بمن فجاز ، ولعلنا نتعرض لهذه المسألة في غير هذا المحل.
(ومثله) في دخول إن النافية على جملة قسمية حذف المبتدأ منها قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] أي : وإن أحد منكم إلا واردها وما بعد إلا خبر ، وعند الزمخشري أنه صفة كما مر في تلك الآية.
__________________
(١) أخرجه أحمد في مسنده (٩٠١٧).