ثانيا ـ الحياة العلمية في عصر العليمي :
على الرغم من تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أواخر العصر المملوكي (١) إلا أن مصر والشام كانتا ميدانا لنشاط علمي واسع يدل عليه التراث الضخم من الموسوعات والمؤلفات في مختلف العلوم الأدبية والتاريخية والدينية خلّفها علماء ذلك العصر كالمقريزي (٢) ، وابن حجر (٣) ، وابن تغري بردي (٤) ، والكناني (٥) ، وابن الصيرفي (٦) ، والسخاوي (٧).
وما كان لهذا النشاط العلمي أن يزدهر في عصر المماليك لو لا تشجيع بعض سلاطينهم للعلم والعلماء (٨).
والدليل على رعاية سلاطين المماليك للنشاط العلمي هو حرصهم الشديد على إنشاء الكثير من المدارس ، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى التي قامت أحيانا بوظيفة المدارس مثل : المساجد.
ولقد كانت المدارس في ذلك العصر على درجة عالية من التنظيم وحسن الإدارة والتخطيط ، وقد أعطتنا المصادر معلومات عن عدد المدرسين ورواتبهم ، والتنظيم الإداري لهذه المدارس ، فقد كان لكل مدرسة شيخ ، وفيها عدد كبير من المدرسين والمعيدين والخدم ، وقد أعطى ابن كثير (ت ٧٧٤ ه / ١٣٧٢ م) صورة تفصيلية عن المدرسة الناصرية بالقاهرة ، فقال : «كان عدد المدرسين ثلاثين في كل مذهب فجعلهم السلطان أربعة وخمسين» (٩).
أما المدرسة السكرية في دمشق فقد عين لها ثلاثون محدثا وثلاثون نفرا يقرأون القرآن لكل عشرة شيخ ، ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها
__________________
(١) ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٥٥ ؛ العليمي ٢ / ٣٤٨ ؛ ابن العماد ٦ / ٣٣٩ ؛ عاشور ، العصر المماليكي ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ؛ غوانمة ، تاريخ ٤٩ ـ ٥٢ ، ١١٨ ـ ١١٩.
(٢) ينظر : ص ٣٤.
(٣) ينظر : ص ٣٥.
(٤) ينظر : ص ٣٦.
(٥) ينظر : ص ٣٦.
(٦) ينظر : ص ٣٧.
(٧) ينظر : ص ٣٧.
(٨) ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ١٨٢ ؛ عاشور ، العصر المماليكي ٣٤١.
(٩) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٤ / ١١٣.