واختلف في العذاب الذي أوعد به (١) ، فأظهر الأقوال أن عذابه أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس طعاما لا يمتنع من النحل ولا من هوام الأرض ، أو لأذبحنه أي لأقطعن حلقه (٢) ، أو ليأتيني بسلطان مبين : بحجة بينه في غيبته وعذر ظاهر ، ثم دعي (٣) العقاب سيد الطير فقال : عليّ بالهدهد الساعة.
فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التصق بالهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ، ثم التفت يمينا وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من ناحية اليمن ، فانقض العقاب عنوة يريده ، فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء ، فناشده فقال : بالذي قواك وأقدرك عليّ ألا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، فولى العقاب وقال : ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله حلف أن يعذبك أو يذبحك ، ثم طارا متوجهين نحو سليمان.
فلما انتهى إلى العسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له : ويلك أين غبت في يومك هذا القدر توعدك سليمان نبي الله ، وأخبروه بما قال (٤) ، فقال الهدهد : وما استثنى رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم؟ قالوا : بلى ، قال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١) (٥) ، قال : نجوت إذا.
ثم لما انطلق العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان ، وكان قاعدا على كرسيه ، فقال العقاب : وقد أتيتك به يا نبي الله ، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه [٣١ / أ] وأرخي ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان فلما / / دنا منه أخذ برأسه ، فمده إليه فقال : أين كنت؟ لأعذبنك عذابا شديدا ، فقال له الهدهد : يا نبي الله أذكر وقوفك بين يدي الله ، عز وجل ، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه.
ثم سأله فقال : ما الذي أبطأك عني؟ فقال الهدهد ما أخبر (٦) الله تعالى في قوله : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) ـ أي غير طويل ـ (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ)(٧) والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، يقول علمت ما لم تعلم وبلغني ما لم
__________________
(١) أو عد به أ ج د ه : توعد به ب.
(٢) لأقطعن حلقه أ ب : ـ ج د ه.
(٣) دعي أ ج د ه : دعا ب / / الطير أ ج د ه : الطيور ب.
(٤) قال ب : ـ أ ج د ه.
(٥) النمل : [٢١].
(٦) أخبر أ ج د ه : + به ب.
(٧) النمل : [٢٢].