وهلك زوجها عمران وهي حامل (١) ، فولدت بنتا وسمتها مريم ، ومعناه (٢) العابدة ، قال الله تعالى مخبرا عن أمها : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)(٣) أي لخدمة بيت المقدس ، لما يلحقها من الحيض والنفاس وعدم الصيانة عن التبرج للناس ، ثم حملتها وأتت بها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار وقالت : دونكم هذه المنذورة.
فتنافسوا فيها لأنها بنت عمران ـ وكان من أئمتهم ـ فقال زكريا : أنا أحق بها لأن خالتها زوجتي ، فأخذها زكريا ، وضمها إلى إيساع (٤)(٥) خالتها (٦) ، فلما كبرت (٧) مريم ، بنى لها زكريا غرفة في المسجد ، وانقطعت في تلك الغرفة للعبادة : وكان لا يدخل على مريم غير زكريا فقط ، قال الله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) ـ فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ـ (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٧) (٨).
وأرسل الله جبريل فنفخ في جيب مريم فحملت بعيسى ، وولدته في بيت لحم ، وهي قرية قريبة من القدس (٩) سنة أربع وثلاثمائة لغلبة الإسكندر (١٠). وبين مولد سيدنا عيسى ، عليهالسلام ، والهجرة الشريفة النبوية المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام (١١) ، ستمائة وإحدى وثلاثون سنة ، وقد مضى من الهجرة [٣٨ / ب] / / الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة ، فيكون الماضي من مولد المسيح إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفا وخمسمائة وإحدى وثلاثين سنة.
ولما جاءت مريم بعيسى تحمله قال لها قومها : (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا)(١٢) ، وأخذوا الحجارة ليرجموها ، فتكلم عيسى وهو في المهد معلقا في منكبها ، فقال :
__________________
(١) حامل أ ج د ه : حاملة ب.
(٢) ومعناه أ ج ه : ومعناها ب ج.
(٣) آل عمران : [٣٦].
(٤) يذكر ابن كثير أن اسمها : أشياع ، ينظر : ابن كثير ، قصص ٤٨٧.
(٥) إيساع أ ب ج د ه : أشياع ابن كثير.
(٦) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣١ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٨٥ ؛ الثعلبي ٢١٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٧٠ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٨٦ ؛ القرماني ١ / ٢٠٤.
(٧) فلما كبرت أ ج د ه : ولما كبرت ب.
(٨) آل عمران : [٣٧].
(٩) القدس أ ج ه : بيت المقدس ب د / / وثلاثمائة أ ج ه : وثمانمائة ب د.
(١٠) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣١ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٨٥ ؛ الثعلبي ٢١٣ ـ ٢١٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٧٥ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٩٥ ؛ القرماني ١ / ٢١٣.
(١١) وأتم السلام أ ه : والسلام ب د : ـ ج.
(١٢) مريم : [٢٧].