وأرسل إلى قيصر ـ وهو هرقل ـ وكان إذ ذاك ببيت المقدس فإنه مشى من حمص (١) إلى إيلياء شكرا لما كشف الله عنه جنود فارس. وكان على الصخرة مزبلة قد حاذت محراب داود (٢) مما ألقته النصارى عليها مضارة لليهود ، حتى كانت المرأة تبعث بخرق حيضها من رومية فتلقى عليها. فلما قرأ قيصر كتاب رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : إنكم يا معشر الروم لحقيق (٣) أن تقتلوا ، على هذه المزبلة بما انتهكتم من حرمة هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا ، عليهماالسلام ، فأمر بكشفها ، فأخذوا في ذلك ، فقدم المسلمون الشام ولم يكشفوا منها إلا ثلثها.
فلما قدم عمر ، رضياللهعنه ، بيت المقدس وفتحه ورأى ما عليها من المزبلة ، أعظم ذلك ، فأمر بكشفها وسخر لها أنباط فلسطين (٤) ، وأكرم هرقل قاصد رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وهو دحية الكلبي (٥) ، ووضع كتاب النبي (٦) ، صلىاللهعليهوسلم ، على فخذه وقصد أن يسلم فمنعه بطارقته ، فخاف على نفسه واعتذر ورد دحية ردا جميلا.
وأرسل إلى المقوقس ـ صاحب مصر ـ فأكرم القاصد وقبل كتاب رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وأهدى إليه أربع جوار (٧) إحداهن مارية أم ولده إبراهيم ، وأهدى إليه بغلته دلدل وحماره يعفور وكسوة (٨). وأرسل إلى النجاشي بالحبشة فقبل كتاب النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، وآمن به واتبعه وأسلم (٩).
وأرسل إلى الحارث الغساني بدمشق. فلما قرأ الكتاب قال : ها أنا سائر إليه ، فلما بلغ رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، قوله (١٠)(١١) قال : «باد ملكه» (١٢).
__________________
(١) حمص : مدينة في الشام قرب نهر العاصي جنوب حماة ومن آثارها الشهيرة جامع خالد بن الوليد ويعتقد أن القائد الفاتح توفي ودفن فيها ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ؛ البكري ٢ / ٤٦٨ ؛ القزويني ١٨٤ ؛ التطيلي ١٢٠ ؛ شيخ الربوة ٢٦٩ ؛ الحميري ١٩٨.
(٢) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٧.
(٣) لحقيق ب ج د ه : لخليق أ.
(٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢٣٨.
(٥) دحية بن خليفة بن فردة بن نضالة ... الكلبي مات في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، ينظر : ابن سعد ٤ / ١٨٨ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٩٤ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٤٧٣.
(٦) كتاب النبي ب د : كتاب رسول الله أ ج ه.
(٧) أربع جوار أ ج ه : أربع جواري ب د.
(٨) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧١٧ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠.
(٩) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٣٥ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠.
(١٠) أي قول الحارث الغساني : من ينزع مني ملكي؟! ينظر : ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠ ؛ المباركفوري ٣٤٥.
(١١) قوله أ ج د ه : ـ ب.
(١٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٤٤.